يشهد النيجر انتخابات رئاسية حاسمة في 26 ديسمبر، في ظل تحديات اقتصادية واجتماعية جمة، وتدخلات من قوى عالمية تسعى للوصول إلى موارده المعدنية الهامة. الفائز في هذه الانتخابات سيواجه مهمة شاقة في معالجة الفقر المدقع في البلاد، والتنقل بين مصالح هذه القوى المتنافسة، وهو ما يضع النيجر على مفترق طرق حاسم. وتأتي هذه الانتخابات بعد فترة من عدم الاستقرار السياسي والانقلاب العسكري الذي أطاح بالرئيس المنتخب محمد بازوم في يوليو الماضي.

الانتخابات تجري في ظل قيادة المجلس العسكري الذي وصل إلى السلطة، وتشارك فيها مجموعة من المرشحين الذين يمثلون طيفًا واسعًا من الآراء السياسية. وتشمل القضايا الرئيسية التي ستحدد مسار البلاد، بالإضافة إلى الأمن، إدارة الموارد الطبيعية، وتحسين الظروف المعيشية للسكان. وتراقب دول المنطقة والمجتمع الدولي هذه الانتخابات عن كثب، مع مخاوف بشأن مستقبل الديمقراطية والاستقرار في النيجر.

التحديات الاقتصادية والاجتماعية في النيجر

يعاني النيجر من مستويات فقر مدقع، حيث يعيش أكثر من 40% من السكان تحت خط الفقر الوطني، وفقًا لتقارير البنك الدولي. وتتفاقم هذه المشكلة بسبب التحديات المناخية المتزايدة، بما في ذلك الجفاف والتصحر، التي تؤثر بشكل كبير على القطاع الزراعي الذي يعتمد عليه غالبية السكان. بالإضافة إلى ذلك، يواجه النيجر تحديات في مجالات الصحة والتعليم، مما يعيق التنمية المستدامة.

الاعتماد على المساعدات الخارجية

لطالما اعتمد النيجر بشكل كبير على المساعدات الخارجية لتمويل ميزانيته وتلبية الاحتياجات الأساسية للسكان. وقد أدى الانقلاب العسكري إلى تعليق العديد من الدول الغربية للمساعدات المقدمة للنيجر، مما زاد من الضغوط الاقتصادية على البلاد. ويشكل إيجاد بدائل للمساعدات الخارجية تحديًا كبيرًا للحكومة الجديدة.

تأثير تغير المناخ

يعد النيجر من بين الدول الأكثر عرضة لتأثيرات تغير المناخ في العالم. فالجفاف المتكرر والتصحر يؤديان إلى تدهور الأراضي الزراعية ونقص المياه، مما يهدد الأمن الغذائي للسكان. ويتطلب معالجة هذه المشكلة استثمارات كبيرة في مشاريع التكيف مع تغير المناخ، مثل تطوير أنظمة الري المستدامة وإعادة تأهيل الأراضي المتدهورة.

الصراع على الموارد المعدنية في النيجر

يمتلك النيجر احتياطيات كبيرة من المعادن الهامة، بما في ذلك اليورانيوم والذهب والنيكل، والتي تجذب اهتمامًا متزايدًا من قوى عالمية. وتعتبر هذه الموارد ذات أهمية استراتيجية، خاصة في ظل التحول العالمي نحو الطاقة النظيفة، حيث يستخدم النيكل في صناعة بطاريات السيارات الكهربائية. الوضع السياسي في النيجر يجعل الوصول إلى هذه الموارد أكثر تعقيدًا.

تسعى كل من الصين وروسيا والولايات المتحدة إلى تعزيز نفوذها في النيجر من خلال الاستثمار في قطاع التعدين. وتقدم هذه الدول حوافز مالية وتقنية للحصول على حقوق التنقيب والاستخراج. ومع ذلك، يثير هذا التنافس مخاوف بشأن استغلال الموارد الطبيعية للنيجر بشكل غير عادل، وعدم استفادة السكان المحليين من هذه الثروات. وتشير بعض التقارير إلى أن الشركات الأجنبية غالبًا ما تتجاهل المعايير البيئية والاجتماعية في عملياتها.

بالإضافة إلى ذلك، فإن وجود جماعات مسلحة في مناطق التعدين يمثل تهديدًا للأمن والاستقرار. وتستهدف هذه الجماعات بشكل خاص الشركات الأجنبية، مما يعيق الاستثمار والتنمية. ويتطلب تأمين مناطق التعدين تعاونًا وثيقًا بين الحكومة والجيش والقوات الأمنية المحلية. وتعتبر قضية إدارة الموارد الطبيعية من أهم التحديات التي تواجه الحكومة الجديدة.

دور القوى الإقليمية والدولية

تولي دول المنطقة، وخاصة دول مجموعة الساحل الخمس، اهتمامًا كبيرًا بالوضع في النيجر. وتخشى هذه الدول من أن يؤدي عدم الاستقرار في النيجر إلى تفاقم التحديات الأمنية والإنسانية في المنطقة. وقد دعت دول المجموعة إلى حل الأزمة النيجرية من خلال الحوار والتفاوض.

في المقابل، تتبنى القوى الدولية مواقف مختلفة تجاه الأزمة. فقد أدانت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي الانقلاب العسكري، وطالبتا بإعادة السلطة إلى الرئيس المنتخب محمد بازوم. في حين أن بعض الدول الأخرى، مثل روسيا، اتخذت موقفًا أكثر حيادًا، وأكدت على احترام سيادة النيجر. وتشير التحليلات إلى أن هذه المواقف تعكس المصالح الاستراتيجية المتنافسة لهذه الدول في المنطقة.

ومع ذلك، فإن تدخل القوى الخارجية في الشؤون الداخلية للنيجر يمكن أن يزيد من تعقيد الأزمة ويعيق جهود التنمية. ويتطلب إيجاد حل مستدام للأزمة احترام إرادة الشعب النيجري، وتجنب التدخلات الخارجية التي قد تقوض الديمقراطية والاستقرار. وتعتبر قضية العلاقات الدولية للنيجر ذات أهمية قصوى في المرحلة القادمة.

الآفاق المستقبلية

من المتوقع أن يعلن المجلس الانتخابي الوطني في النيجر عن النتائج الرسمية للانتخابات الرئاسية في غضون أيام قليلة. ومع ذلك، فإن هذه النتائج قد تكون محل نزاع، خاصة إذا كانت هناك اتهامات بالتزوير أو التلاعب.

سيكون على الفائز في الانتخابات بناء الثقة مع الشعب النيجري، ومع المجتمع الدولي. ويتطلب ذلك اتخاذ خطوات ملموسة لتحسين الظروف المعيشية للسكان، وتعزيز الديمقراطية وحقوق الإنسان، ومكافحة الفساد. بالإضافة إلى ذلك، يجب على الحكومة الجديدة إيجاد حلول مستدامة لإدارة الموارد الطبيعية، وضمان استفادة السكان المحليين من هذه الثروات.

يبقى مستقبل النيجر غير مؤكد، ويتوقف على قدرة الحكومة الجديدة على مواجهة التحديات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي تواجه البلاد. وما إذا كانت ستتمكن من تحقيق التوازن بين مصالح القوى العالمية المتنافسة، وضمان استقلالها وسيادتها.

شاركها.