يثير الجدل المتزايد حول مستقبل الروبوتات مجددًا نقاشات حادة في وادي السيليكون وخارجه. رودني بروكس، العالم الروبوتي الشهير والمعروف بتطويره لروبوت التنظيف المنزلي “رومبا”، يرى أن التركيز الحالي على تطوير الروبوتات الشبيهة بالبشر هو مسار محكوم عليه بالفشل. وقد أثار بروكس هذه الآراء خلال سلسلة من المقابلات والمؤتمرات الأخيرة، مؤكدًا أن هذا التوجه يفتقر إلى الأساس المنطقي والعملي.
تأتي تصريحات بروكس في وقت يشهد استثمارات ضخمة في شركات تعمل على تطوير روبوتات ذات شكل بشري، مثل “Figure AI” و “Agility Robotics”. تهدف هذه الشركات إلى إنشاء روبوتات قادرة على أداء مهام متنوعة في بيئات مختلفة، بما في ذلك العمل في المستودعات والمصانع وحتى تقديم المساعدة في المنازل. لكن بروكس يشكك في جدوى هذا المسار، معتبرًا إياه مضيعة للموارد والجهود.
لماذا يرى رودني بروكس أن تطوير الروبوتات الشبيهة بالبشر فاشل؟
يرتكز موقف بروكس على عدة أسباب رئيسية. أولاً، يرى أن تصميم الروبوتات لتقليد الشكل البشري يفرض قيودًا هندسية معقدة وغير ضرورية. فالجسم البشري تطور على مدى ملايين السنين ليتكيف مع بيئته، وهو نظام معقد للغاية يصعب تكراره في روبوت.
تعقيد الحركة والتوازن
الحركة والتوازن البشريان يعتمدان على شبكة معقدة من العضلات والأعصاب والمفاصل. محاولة تكرار هذا النظام في روبوت تتطلب تقنيات متقدمة للغاية ومكلفة، وحتى مع ذلك، فإن النتائج غالبًا ما تكون غير موثوقة. بالإضافة إلى ذلك، فإن الروبوتات الشبيهة بالبشر غالبًا ما تكون بطيئة وغير قادرة على التعامل مع التضاريس غير المستوية أو العقبات غير المتوقعة.
تكلفة الإنتاج والصيانة
تكلفة إنتاج وصيانة الروبوتات الشبيهة بالبشر مرتفعة للغاية. المواد المستخدمة في بناء هذه الروبوتات، مثل المعادن والمحركات والمستشعرات، باهظة الثمن. كما أن صيانة هذه الروبوتات تتطلب خبرة فنية متخصصة، مما يزيد من التكاليف الإجمالية. ويرى بروكس أن هذه التكاليف تجعل هذه الروبوتات غير عملية لمعظم التطبيقات.
بالإضافة إلى ذلك، يرى بروكس أن التركيز على الشكل البشري يصرف الانتباه عن تطوير روبوتات أكثر عملية وفعالية. ويرى أن الروبوتات المصممة لأداء مهام محددة، مثل روبوتات التنظيف أو روبوتات التوصيل، يمكن أن تكون أكثر نجاحًا من الروبوتات الشبيهة بالبشر التي تحاول تقليد القدرات البشرية المتنوعة. ويركز بروكس على أهمية “الروبوتات المتخصصة” (specialized robotics) التي تتفوق في مهام محددة.
في المقابل، يرى مؤيدو تطوير الروبوتات الشبيهة بالبشر أن هذه الروبوتات لديها القدرة على أداء مجموعة واسعة من المهام، مما يجعلها أكثر مرونة وتكيفًا مع البيئات المختلفة. كما أنهم يعتقدون أن تطوير هذه الروبوتات سيؤدي إلى تقدم كبير في مجال الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي. ويرون أن الشكل البشري يسهل على البشر التفاعل مع هذه الروبوتات وفهم سلوكها.
ومع ذلك، يجادل بروكس بأن هذه المزايا لا تبرر التكاليف والقيود المرتبطة بتطوير الروبوتات الشبيهة بالبشر. ويرى أن هناك طرقًا أخرى لتحقيق نفس الأهداف بتكلفة أقل وجهد أقل. على سبيل المثال، يمكن استخدام الروبوتات ذات العجلات أو الروبوتات الطائرة لأداء مهام التوصيل أو المراقبة، دون الحاجة إلى تصميم روبوتات معقدة تشبه البشر.
تأثير الذكاء الاصطناعي
يرى البعض أن التطورات الأخيرة في مجال الذكاء الاصطناعي، وخاصة في مجال التعلم العميق، قد غيرت قواعد اللعبة. فالذكاء الاصطناعي أصبح الآن قادرًا على معالجة كميات هائلة من البيانات واتخاذ قرارات معقدة، مما قد يسمح للروبوتات الشبيهة بالبشر بالتغلب على بعض القيود التي كانت تواجهها في الماضي. لكن بروكس يظل متشككًا، معتبرًا أن الذكاء الاصطناعي لا يزال بعيدًا عن تحقيق القدرات البشرية الكاملة.
تأتي هذه الآراء في ظل تزايد الاهتمام بـ “الأتمتة” (automation) في مختلف القطاعات الاقتصادية. تسعى الشركات إلى استخدام الروبوتات والأتمتة لزيادة الإنتاجية وخفض التكاليف. ومع ذلك، يثير هذا الاتجاه مخاوف بشأن فقدان الوظائف وتأثيره على سوق العمل. ويرى بروكس أن التركيز على تطوير روبوتات عملية وفعالة يمكن أن يساعد في تخفيف هذه المخاوف.
بالإضافة إلى ذلك، هناك جدل حول الجوانب الأخلاقية لتطوير الروبوتات الشبيهة بالبشر. يثير البعض مخاوف بشأن إمكانية استخدام هذه الروبوتات في أغراض ضارة، مثل الحروب أو المراقبة. ويرى بروكس أن هذه المخاوف يجب أن تؤخذ على محمل الجد، وأن هناك حاجة إلى وضع قوانين ولوائح تنظم تطوير واستخدام هذه الروبوتات.
في الختام، يظل مستقبل تطوير الروبوتات غير مؤكد. من المتوقع أن تستمر الشركات في الاستثمار في تطوير الروبوتات الشبيهة بالبشر، ولكن من غير الواضح ما إذا كانت هذه الروبوتات ستنجح في تحقيق الأهداف المرجوة منها. سيراقب الخبراء عن كثب التقدم المحرز في هذا المجال، بالإضافة إلى التطورات في مجال الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي. من المرجح أن يتم اتخاذ قرارات مهمة بشأن مستقبل هذا المجال في الأشهر والسنوات القادمة، مع التركيز على تقييم الجدوى الاقتصادية والآثار الاجتماعية والأخلاقية لهذه التكنولوجيا.
