:

على مدى عقود، استثمرت أجيال من قادة الحزب الشيوعي الصيني وقادة الجيش في صناعة استراتيجية ولكنها ملوثة للبيئة بشكل كبير، وهي صناعة الأسمنت. وقد أدى هذا الاستثمار العميق إلى جعل الصين أكبر منتج ومستهلك للأسمنت في العالم، لكنه ساهم أيضًا بشكل كبير في التلوث البيئي وتغير المناخ. هذه القضية تلقي الضوء على التحديات التي تواجهها الصين في تحقيق التنمية المستدامة.

تظهر التحليلات أن هذا الاستثمار بدأ في عهد دينغ شياو بينغ، وتصاعد مع القادة اللاحقين مثل جيانغ زيمين و هو جينتاو، وبلغ ذروته في عهد شي جين بينغ، حيث توسعت البنية التحتية بشكل هائل. يمثل هذا التوجه جزءًا من خطة التحديث الاقتصادي الطموحة التي تبنتها الصين، لكنه أثار مخاوف متزايدة بشأن الأثر البيئي لصناعة الأسمنت.

تاريخ الاستثمار في صناعة الأسمنت في الصين

بدأت جذور استثمار الحزب الشيوعي الصيني في صناعة الأسمنت في أواخر السبعينيات، مع إطلاق إصلاحات دينغ شياو بينغ الاقتصادية. كان هدف هذه الإصلاحات هو تحديث البنية التحتية للصين بشكل سريع لدعم النمو الاقتصادي. لتحقيق ذلك، كان هناك طلب هائل على الأسمنت كمادة بناء أساسية.

أهمية الأسمنت في التنمية الصينية

لطالما اعتبر الأسمنت صناعة “حجر الزاوية” للتنمية الاقتصادية في الصين. فقد سهّل بناء السدود والطرق والسكك الحديدية والمباني الشاهقة التي أصبحت رمزاً للنهضة الصينية. وقد شجع هذا الاعتماد على الأسمنت الحكومة على دعمه من خلال سياسات مختلفة، بما في ذلك الإعانات والقروض الميسرة.

ومع ذلك، ارتبط هذا النمو السريع بصناعة الأسمنت بمشاكل بيئية كبيرة. تُعد عملية إنتاج الأسمنت من بين أكثر العمليات الصناعية كثافة في استخدام الطاقة، وهي مسؤولة عن نسبة كبيرة من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون على مستوى العالم. بالإضافة إلى ذلك، تطلق مصانع الأسمنت ملوثات أخرى مثل الغبار وأكاسيد النيتروجين وأكاسيد الكبريت، مما يؤدي إلى تدهور جودة الهواء.

في التسعينيات، ومع تولي جيانغ زيمين السلطة، استمر الاستثمار في صناعة الأسمنت في النمو، مدفوعًا بالتحضر السريع والتوسع الحضري. أدى ذلك إلى زيادة عدد مصانع الأسمنت في جميع أنحاء البلاد، مما زاد من الضغط على البيئة.

خلال فترة حكم هو جينتاو، بدأت الحكومة الصينية في إدراك الحاجة إلى معالجة القضايا البيئية المرتبطة بصناعة الأسمنت. تم تقديم بعض اللوائح لتقليل الانبعاثات وتحسين كفاءة استخدام الطاقة، لكن تطبيقها كان غير متسق.

وصل الوضع إلى ذروته في عهد شي جين بينغ، الذي أطلق حملة واسعة النطاق لمكافحة التلوث البيئي، بما في ذلك تدابير تستهدف صناعة الأسمنت. However, في الوقت نفسه، استمرت الحكومة في دعم الاستثمار في صناعة الأسمنت، خاصة في المشاريع المتعلقة بمبادرة “الحزام والطريق” الضخمة. يُشير ذلك إلى صراع بين الأهداف الاقتصادية والبيئية.

تأثير الاستثمار على البيئة

تسببت الزيادة الهائلة في إنتاج الأسمنت في الصين في عواقب بيئية وخيمة. من بين هذه العواقب:

  • زيادة انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، مما يساهم في تغير المناخ.
  • تدهور جودة الهواء بسبب انبعاث الغبار والملوثات الأخرى.
  • استنزاف الموارد الطبيعية، مثل الحجر الجيري والفحم.
  • التأثير على صحة الإنسان، بما في ذلك أمراض الجهاز التنفسي.

حاولت الحكومة الصينية معالجة هذه المشاكل من خلال مجموعة من التدابير، بما في ذلك إغلاق مصانع الأسمنت غير الفعالة، وتشجيع استخدام تكنولوجيا إنتاج أكثر نظافة، وتطبيق معايير انبعاثات أكثر صرامة. كما تبنت البلاد سياسات لتعزيز استخدام مواد البناء البديلة، مثل الخشب الصلب المُصنّع.

مستقبل صناعة الأسمنت في الصين

تتجه الصين نحو تبني المزيد من الممارسات المستدامة في صناعة الأسمنت، بالرغم من التحديات الكبيرة. من المتوقع أن تركز السياسات المستقبلية على خفض الانبعاثات، وتحسين كفاءة استخدام الطاقة، وتشجيع الابتكار في تكنولوجيا إنتاج الأسمنت.

بالإضافة إلى ذلك، من المرجح أن تشهد البلاد تحولاً نحو استخدام مواد بناء بديلة أكثر صداقة للبيئة. يُعد البحث والتطوير في مجال مواد البناء الجديدة، مثل الخرسانة الخضراء والمواد المعاد تدويرها، أمرًا بالغ الأهمية لتحقيق هذا الهدف. تستكشف البلاد أيضًا إمكانية استخدام مصادر الطاقة المتجددة في عملية إنتاج الأسمنت، مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح.

تم الإعلان مؤخرًا عن خطط لتقييم شامل لمصانع الأسمنت في جميع أنحاء البلاد بحلول نهاية عام 2024، وفقًا لوزارة البيئة والإيكولوجيا. يهدف هذا التقييم إلى تحديد مصانع الأسمنت التي لا تلتزم بالمعايير البيئية الحالية، واتخاذ الإجراءات اللازمة بشأنها.

ومع ذلك، فإن تحقيق التنمية المستدامة في صناعة الأسمنت في الصين يظل مهمة معقدة. ويعتمد نجاح هذه الجهود على الالتزام السياسي القوي، والاستثمار الكافي في التكنولوجيا والابتكار، والتعاون الفعال بين الحكومة والقطاع الخاص. بالإضافة إلى ذلك، لا تزال قضية النمو الاقتصادي المستمر في الصين تشكل تحدياً كبيراً، حيث يمكن أن تتعارض الأهداف الاقتصادية مع الأهداف البيئية.

شاركها.