يشهد المشهد التنظيمي في الولايات المتحدة تحولات كبيرة، حيث من المتوقع أن يوسع رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي، جيروم باول، نطاق سلطاته ليشمل قضايا مكافحة الاحتكار. يأتي هذا التطور في الوقت الذي يبدو فيه أن المحكمة العليا الأمريكية تستعد أيضًا لوضع إنفاذ قوانين مكافحة الاحتكار من قبل لجنة التجارة الفيدرالية (FTC) تحت إشرافه. هذه الخطوة، التي تتعلق بشكل مباشر بـ مكافحة الاحتكار، قد تعيد تشكيل الطريقة التي تنظم بها الحكومة الأمريكية الشركات الكبرى.
القرار، الذي لم يتم الإعلان عنه رسميًا بعد ولكن تم تسريبه عبر مصادر متعددة، من المتوقع أن يتم تنفيذه خلال الأسابيع القليلة القادمة. يستهدف هذا التغيير المركزيّة في السلطة التنظيمية، مما قد يؤثر على التحقيقات الجارية في ممارسات الشركات الاحتكارية في قطاعات التكنولوجيا والطاقة وغيرها. تأتي هذه التطورات في سياق نقاش أوسع حول دور الحكومة في تنظيم الاقتصاد.
توسيع سلطات جيروم باول في مجال مكافحة الاحتكار
تعتبر هذه الخطوة غير مسبوقة، حيث تقليديًا، كانت لجنة التجارة الفيدرالية (FTC) والوزارة الأمريكية للعدل هما المسؤولتان الرئيسيتان عن إنفاذ قوانين مكافحة الاحتكار. ومع ذلك، وفقًا لتقارير متعددة، فإن الإدارة تسعى إلى توحيد السلطة التنظيمية تحت قيادة باول، بحجة أن هذا سيزيد من الكفاءة والاتساق في تطبيق القانون.
الأسباب الكامنة وراء التغيير
يعزو البعض هذا التغيير إلى مخاوف متزايدة بشأن قوة الشركات التكنولوجية الكبرى وتأثيرها على الاقتصاد والمجتمع. يرى البعض الآخر أنه يهدف إلى تقليل التدخل السياسي في قرارات إنفاذ القانون، من خلال وضعها تحت قيادة بنك مركزي مستقل نسبيًا. بالإضافة إلى ذلك، هناك اعتقاد بأن باول يتمتع بسمعة طيبة في الحياد والنزاهة، مما يجعله خيارًا جذابًا للإشراف على هذه القضايا الحساسة.
ردود الفعل الأولية
أثارت هذه الأنباء ردود فعل متباينة. أعرب بعض الخبراء عن قلقهم من أن هذا التغيير قد يؤدي إلى إضعاف إنفاذ قوانين مكافحة الاحتكار، خاصة إذا كان باول يفتقر إلى الخبرة اللازمة في هذا المجال. في المقابل، يرى آخرون أن هذا التوحيد قد يؤدي إلى تبسيط الإجراءات وتقليل الازدواجية في الجهود التنظيمية.
من جهتها، لم تصدر لجنة التجارة الفيدرالية (FTC) أي بيان رسمي حتى الآن، لكن مصادر داخل اللجنة أشارت إلى أن المسؤولين هناك يشعرون بالقلق من فقدان استقلاليتهم وسلطتهم. بينما لم تعلق وزارة العدل بشكل مباشر، إلا أن بعض المسؤولين أعربوا عن تحفظاتهم بشأن هذا التغيير.
بالتوازي مع ذلك، تشهد الولايات المتحدة نقاشًا متزايدًا حول الحاجة إلى تحديث قوانين المنافسة لمواكبة التغيرات في الاقتصاد الرقمي. يرى البعض أن القوانين الحالية غير كافية لمعالجة الممارسات الاحتكارية للشركات التكنولوجية الكبرى، وأن هناك حاجة إلى قوانين جديدة أكثر صرامة.
ومع ذلك، فإن هذا التغيير في السلطة التنظيمية لا يتعلق فقط بقوانين المنافسة. فهو يمثل أيضًا تحولًا أوسع في فلسفة الحكومة بشأن دورها في تنظيم الاقتصاد. ففي السنوات الأخيرة، كان هناك اتجاه متزايد نحو تقليل التدخل الحكومي في الاقتصاد، ولكن يبدو أن هذا الاتجاه بدأ في التراجع مع تزايد المخاوف بشأن قوة الشركات الكبرى وتأثيرها على المجتمع.
بالإضافة إلى ذلك، فإن هذا التغيير قد يكون له تداعيات على التحقيقات الجارية في ممارسات الشركات الاحتكارية. على سبيل المثال، تجري لجنة التجارة الفيدرالية (FTC) حاليًا تحقيقًا في ممارسات شركة Meta (فيسبوك سابقًا)، بينما تجري وزارة العدل تحقيقًا في ممارسات شركة Google. من غير الواضح كيف سيؤثر هذا التغيير في السلطة التنظيمية على هذه التحقيقات.
في المقابل، يرى بعض المراقبين أن هذا التغيير قد يكون له آثار إيجابية على الاستثمار والابتكار. فمن خلال تبسيط الإجراءات التنظيمية وتقليل الازدواجية، قد يتمكن الشركات من الاستثمار في البحث والتطوير بشكل أكبر، مما يؤدي إلى خلق فرص عمل جديدة وتعزيز النمو الاقتصادي.
ومع ذلك، فإن هذه الآثار الإيجابية المحتملة لا تزال غير مؤكدة. فمن المهم أن نراقب عن كثب كيف سيؤثر هذا التغيير في السلطة التنظيمية على سلوك الشركات وعلى الاقتصاد بشكل عام.
الخطوة التالية المتوقعة هي الإعلان الرسمي عن هذا التغيير، والذي من المتوقع أن يتم في غضون الأسابيع القليلة القادمة. بعد ذلك، سيتعين على باول أن يبدأ في بناء فريق من الخبراء في مجال مكافحة الاحتكار وأن يضع خطة لتنفيذ هذا التغيير. من غير الواضح كيف ستسير هذه العملية، وما إذا كانت ستواجه أي مقاومة من الكونجرس أو من أصحاب المصلحة الآخرين.
يبقى أن نرى كيف ستؤثر هذه التطورات على المشهد التنظيمي في الولايات المتحدة وعلى مستقبل المنافسة في الاقتصاد العالمي. من المهم أن نراقب عن كثب هذه التطورات، وأن نفهم آثارها المحتملة على الشركات والمستهلكين والمجتمع ككل.
