في شوارع بانكوك الصاخبة المضاءة بالنيون، يبيع شاب هندي في الثلاثينيات من عمره ساعات رولكس المقلدة ببراعة وسلاسة.

الشاب قال مبتسما: “هذه الساعات تكاد تكون بجودة الأصلية”، قبل أن يختفي بين الحشود، حاملا على كتفه حقيبة من الساعات السويسرية المقلدة. وما بين شتيمة من سائح وصفقة رابحة، يثبت الشاب أن الإصرار هو شريان حياة تجارة السلع المقلدة.

تجارته غير قانونية، لكنها مزدهرة على مرأى ومسمع الجميع- مجرد قطرة صغيرة في بحر السلع المقلدة في جنوب شرق آسيا. والآن، أصبح هذا المحيط في مرمى نيران واشنطن، التي تستغل انتهاكات المنطقة المستمرة للملكية الفكرية في الأيام الأخيرة التي يسودها التوتر لمفاوضات التجارة، بحسب “ساوث تشاينا مورنينج بوست”.

وفرض البيت الأبيض مهلة نهائية في التاسع من يوليو: إذا فشلت محادثات التجارة، فقد تواجه اقتصادات جنوب شرق آسيا المعتمدة على التصدير رسوما جمركية عقابية تصل إلى 49%. الهدف الأساسي هو البضائع الصينية المُحوّلة عبر الدول المجاورة – وهي ممارسة تُعرف باسم “إعادة الشحن”، وتساعد المنتجات الصينية على التهرب من الرسوم الجمركية الحالية التي تفرضها واشنطن، لكن تايلاند وماليزيا وكمبوديا وفيتنام وإندونيسيا أثارت غضب واشنطن أيضا بسبب تقصيرها في إنفاذ حقوق الملكية الفكرية.

في الشوارع وعلى الإنترنت، يسهل العثور على دمى لابوبو المقلدة، وحقائب لوي فيتون، وأحذية نايكي الرياضية، والجواهر، وساعات رولكس – وحتى الأدوية والعطور المقلدة – كلها تغذي اقتصادا ضخما ومظلما.

من مركز إم بي كيه في بانكوك إلى مركز سايجون سكوير في مدينة هو تشي من، شهدت الأسابيع الأخيرة عمليات مصادرة بارزة لسلع مزيفة تُقدر قيمتها بالملايين، جرى عرضها أمام كاميرات التلفزيون بينما تتسابق الحكومات الإقليمية لإثبات تصديها للمشكلة.

تُعرض عشرات الملايين من الساعات المقلدة للبيع سنويا، وفقا لاتحاد الساعات السويسرية، ويمر كثير منها عبر آسيا. تأتي في المرتبة الثانية بعد الملابس من حيث أكثر السلع المقلدة حول العالم.

بالنسبة إلى العلامات التجارية الكبرى، تُعدّ مراقبة هذه الجرائم البسيطة والعابرة للحدود والمتفرقة مهمة شاقة لا نهاية لها.

في العام الماضي، نظرت إدارة الملكية الفكرية في تايلاند في أكثر من 1300 قضية، وصادرت أكثر من 2.7 مليون سلعة مقلدة بقيمة عشرات الملايين من الدولارات. ومع ذلك، لا تزال البلاد مدرجة على قائمة المراقبة الأمريكية لانتهاكات الملكية الفكرية.

مكتب الممثل التجاري الأمريكي صنف مركز إم بي كيه في بانكوك بأنه “سوق سيئة السمعة” تعج بالسلع المزيفة – وهو تصنيف له وزن كبير مع دخول تايلاند المرحلة النهائية من المفاوضات مع واشنطن، على أمل خفض التعريفة الجمركية الأمريكية من 36% إلى الحد الأدنى البالغ 10%. والضغط شديد، ففي العام الماضي ذهب نحو 20% من إجمالي صادرات تايلاند إلى الولايات المتحدة، ما يجعلها أكبر سوق خارجية لتايلاند.

ورغم الحملة الأمنية الأخيرة على مركز إم بي كيه التي تصدرت العناوين، إلا أن المركز ليس سوى جزء من شبكة إقليمية واسعة، حيث تغرق السلع المقلدة المنتَجة في الصين وكمبوديا وفيتنام والهند وتايلاند الأسواق التقليدية والرقمية في أنحاء القارة.

بالنسبة إلى كثيرين، التسوق من البضائع المقلدة متعة بريئة، بل وجزء لا يتجزأ من تجربة السياح في جنوب شرق آسيا — وسيلة لشراء “الرفاهية” بأسعار زهيدة.

ولكن شركة تيليك آند جيبينز للمحاماة في بانكوك تقول: “يتجاهل هذا التصور العواقب الأوسع نطاقا. يُقوّض التقليد الأعمال التجارية المشروعة، ويُسبب خسائر في الإيرادات الضريبية، ويعرض المستهلكين لمخاطر”.

علاوة على ذلك، غالبا ما ترتبط تجارة المنتجات المقلدة بالجريمة المنظمة، بما في ذلك الاتجار بالمخدرات واستغلال البشر. ما قد يبدو صفقة بريئة، فهو في الواقع يغذي اقتصادا عالميا غير مشروع ذي آثار مدمرة بعيدة المدى.

وفي فيتنام، مركز تصنيع الأحذية الرياضية والملابس، تُعدّ مبيعات المنتجات المقلدة سرا مكشوفا، حيث يسهل العثور على النسخ المقلدة شبه المثالية.

وقد حظيت البلاد بإشادة لحملاتها الصارمة على مواقع قرصنة مثل “إف موفيز”، الذي وصفه المسؤولون الأمريكيون بأنه “أكبر شبكة قرصنة في العالم (…) جذبت أكثر من 6.7 مليار زيارة بين يناير 2023 ويونيو 2024“. ولكن مع ذلك لا تزال المنتجات المقلدة تُباع علانية.

وليس من السهل ضبط مزوري السلع، ولا سيما في منطقة يُمكن فيها رشوة جهات إنفاذ القانون لتجاهل ضبط التجارة غير المشروعة، وعادة ما تُعتبر المحاكم التزوير جريمة بسيطة.

وكشفت محاكمة لرجل فرنسي يُعرف بلقب “أمير السلع المقلدة” عن شبكة واسعة لتجارة تقليد السلع الفاخرة تبدأ من مصانع صينية، وتُنقل إلى موزعين في تايلاند، ثم إلى مشترين حول العالم عبر مجموعات واتساب مشفرة. حقق المتهم ملايين اليوروات من بيع ساعات فاخرة مقلدة بأسعار تراوح بين 500 و1300 يورو (590 إلى 1530 دولارا أمريكيا)، يصعب تمييزها عن الأصلية التي تباع بعشرات الآلاف من الدولارات.

وزاد تعقيد إنفاذ القانون مع التجارة الإلكترونية. فمع إرسال ملايين الطرود المرسلة يوميا، تُخفي السلع غير القانونية أسماء مزيفة وشركات وهمية.

وأخيرا، بيع السلع الفاخرة المقلدة ليس مشكلة محدودة على الإطلاق. فالتداعيات المالية عالمية: استنزاف خزائن الحكومات، وإعاقة الاستثمار، وتعقيد محادثات التجارة.

شاركها.