يتجه مزارعو فول الصويا الأمريكيون إلى موسم الحصاد دون أي طلب من الصين، أكبر مشتر له منهم تاريخيا، ما يدق ناقوس الخطر بشأن استقرار القطاع الزراعي وتداعياته الأوسع على الاقتصاد الأمريكي.

حذر كالب راجلاند، رئيس الجمعية فول الصويا الأمريكية، من الأزمة التي تواجه مزارعي فول الصويا في البلاد، البالغ عددهم 500 ألف مزارع، مؤكدا في مقطع فيديو على منصة تيك توك أن الوضع “خطير جدا”.

وأوضح في مقابلة مع شبكة CNN، أن الصين تستورد الصويا الأمريكي أكثر من أي عميل أجنبي آخر، مشيرا إلى أن 50% من فول الصويا الأمريكي يُصدر، وتمثل الصين ربع إجمالي الطلب.

يمثل غياب الطلب الصيني انحرافا كبيرا عن أنماط التجارة المعتادة، بحسب “فورتشن”. عادة ما تمثل الصين أكثر من 25% من إجمالي مشتريات فول الصويا الأمريكية، حيث يحجز ما يقارب ثلث المبيعات السنوية لها في هذا الوقت من الموسم.

وهذا يعني أن نحو 8% إلى 9% من إجمالي المحصول الأمريكي الذي كان من المفترض أن يباع للصين بحلول هذا الوقت، لا يوجد له مشتر حتى الآن.

أزمة مالية وشيكة أمام المزارعين
دفع النزاع التجاري المزارعين الذين يعانون أصلا إلى حافة الهاوية. قال راجلاند لشبكة CNN: إن أسعار فول الصويا قد انخفضت 40% عن مستوياتها قبل 3 أعوام، بينما ارتفعت تكاليف الإنتاج وأسعار الفائدة.

وقال: “نتوقع خسائر في العام المقبل إذا لم تتحسن أسعار السلع الأساسية”.

تعكس أسعار العقود الآجلة الحالية لفول الصويا حالة عدم اليقين، حيث تتداول عقود سبتمبر عند نحو 10.10 دولار للبوشل – أقل بكثير من تكاليف الإنتاج المقدرة التي تبلغ نحو 11.03 دولار للبوشل.

يعاني عديد من مزارعي فول الصويا الأمريكيين خسائر مالية كبيرة هذا الموسم، ما يضطرهم إلى الاعتماد على القروض لتغطية الفجوة بين التكاليف والإيرادات.

حذر راجلاند من أن الوضع قد يزداد صعوبة على عائلات المزارعين في جميع أنحاء البلاد إذا لم تشهد السوق تحسنا كبيرا بحلول موسم الحصاد.

المخاطر الاقتصادية تتجاوز الزراعة
تتجاوز التداعيات حدود المزارع الفردية. يسهم القطاع الزراعي بمبلغ 9.5 تريليون دولار أمريكي سنويا في الاقتصاد الأمريكي، ما يمثل 18.7% من إجمالي الناتج الاقتصادي الوطني. ويدعم القطاع، بشكل مباشر وغير مباشر، أكثر من مليون وظيفة أمريكية، حيث تولد صادرات فول الصويا وحدها أكثر من 231 ألف وظيفة في الزراعة والتصنيع والنقل والصناعات ذات الصلة.

سلط راجلاند الضوء على هذه الروابط الاقتصادية الأوسع في مقابلته مع شبكة CNN: “يمتد هذا التأثير إلى مجتمعاتنا الريفية. فمجتمعاتنا الريفية تضم عددا كبيرا من السكان في جميع أنحاء البلاد. وهذا يؤثر في الشركات الصغيرة، ويؤثر أيضا في البنية التحتية لمجتمعاتنا بأكملها”.

في 2023، كل مليار دولار أمريكي من الصادرات الزراعية الأمريكية دعمت ما يقارب 6 آلاف وظيفة. ودعمت صادرات فول الصويا والذرة وحدها أكثر من 212 وظيفة. ويعني التأثير الاقتصادي المضاعف أن الاضطرابات في تجارة فول الصويا ستمتد إلى قطاعات التصنيع والخدمات اللوجستية والمجتمعات الريفية في جميع أنحاء البلاد.

التوترات التجارية تعيد تشكيل الأسواق العالمية
تعود أزمة الصويا إلى التوترات التجارية المستمرة بين الولايات المتحدة والصين. يواجه فول الصويا الأمريكي حاليا رسوما جمركية انتقامية بنسبة 20% مقارنة بالمنافسين من أمريكا الجنوبية، ما يرفع إجمالي الرسوم الجمركية على فول الصويا الأمريكي إلى 34% عند إضافته إلى الضرائب الأخرى.

ردت الصين بزيادة مشترياتها من البرازيل بشكل كبير. بلغت وارداتها من فول الصويا مستويات قياسية في يوليو، مدفوعة بشكل كبير بالصادرات البرازيلية.

صدرت البرازيل نحو 15.7 مليون طن من فول الصويا في مارس 2025، ثلاثة أرباعها موجهة إلى الصين – وهو أعلى حجم شهري يصدر إلى الصين على الإطلاق. في عام 2024، 71% من إجمالي واردات الصين من فول الصويا جاءت من البرازيل، بزيادة عن الأعوام السابقة.

تحديات السوق وتاريخ الخسائر في قطاع الزراعة الأمريكي
يشهد القطاع الزراعي الأوسع ما تصفه جماعات الصناعة بالأزمة الاقتصادية. أفادت الرابطة الوطنية لمزارعي الذرة بأن أسعار الذرة انخفضت أكثر من 50% عن أعلى مستوياتها في 2022، مع انخفاض تكاليف الإنتاج 3% فقط خلال الفترة نفسها.

يأتي هذا التباطؤ الزراعي في الوقت الذي من المتوقع أن يبلغ فيه محصول فول الصويا الأمريكي لعام 2025 ما يقارب 4.3 مليار بوشل، وهو سادس أكبر حصاد في تاريخ البلاد. ومع ذلك، وبدون الطلب الصيني، يهدد هذا العرض الوفير بمزيد من انخفاض الأسعار وتفاقم الضائقة المالية للمزارعين.

يذكرنا هذا الوضع بالحرب التجارية بين 2018 و2020، التي خسرت خلالها الزراعة الأمريكية 26 مليار دولار، منها ما يقارب من 20 مليار دولار من خسائر فول الصويا وحده. شكل فول الصويا 71% من الخسائر الزراعية التي تكبدها المزارعون الأمريكيون خلال ذلك الصراع.

الوقت ينفد
مع اقتراب موسم الحصاد وامتلاء مرافق التخزين بالحبوب غير المبيعة، تواجه الأسعار عادة ضغوطا هبوطية إضافية. وفي حال عدم التوصل إلى حل قريب، قد يضطر المزارعون إلى بيع محاصيلهم بأسعار مخفضة جدا أو مواجهة تكاليف تخزين باهظة خلال أشهر الشتاء.

اعتبر راجلاند أن الأزمة تمس قوة الأمة، مؤكدا أن المزارعين يمثلون “العمود الفقري لأمريكا”.

شاركها.