:

تستخدم بكين أدواتها الإعلامية بشكل متزايد لعرض قدراتها في بناء البنية التحتية وإظهار نفوذها، مستفيدةً مما تسميه “قلقًا عميقًا” بشأن السياسات الأمريكية. وتأتي هذه الجهود في وقت تتنافس فيه الصين والولايات المتحدة على النفوذ العالمي، خاصة في الدول النامية. ويشمل ذلك حملات دبلوماسية إعلامية نشطة عبر وسائل التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام الرسمية الصينية.

وتستهدف هذه الأنشطة بشكل خاص دولًا في أفريقيا وأمريكا اللاتينية وآسيا، حيث تسلط الضوء على مشاريع البنية التحتية الصينية الناجحة مثل السكك الحديدية والموانئ والطرق. وتعتبر هذه الحملات جزءًا من استراتيجية أوسع نطاقًا تهدف إلى تعزيز صورة الصين كشريك موثوق به وقادر على تقديم التنمية الاقتصادية. وقد بدأت هذه الجهود بالتصاعد بشكل ملحوظ خلال الأشهر الستة الماضية، وفقًا لتقارير تحليلية حديثة.

تسليط الضوء على المشاريع الصينية و”القلق” الأمريكي

تعزز الصين رواية مفادها أن الولايات المتحدة تعاني من عدم يقين في سياستها الخارجية، مما يثير مخاوف لدى الدول الأخرى بشأن التزامها طويل الأجل بالشراكات. ويشير المتحدثون باسم وزارة الخارجية الصينية بشكل متكرر إلى أن هذا “القلق” يخلق فرصة لبكين لتقديم بديل مستقر وقابل للتنبؤ. ويتم الترويج لهذه الرسالة عبر منصات مثل تويتر وفيسبوك ويوتيوب، بالإضافة إلى وسائل الإعلام الصينية الرسمية مثل وكالة أنباء شينخوا وشبكة الصين الدولية للإذاعة (CRI).

أمثلة على الحملات الإعلامية

تشمل الحملات الإعلامية مقاطع فيديو قصيرة تعرض مشاريع البنية التحتية الصينية في دول مختلفة، مع التركيز على الفوائد الاقتصادية والاجتماعية التي تجلبها تلك المشاريع. كما تنشر حسابات مرتبطة بالحكومة الصينية على وسائل التواصل الاجتماعي مقالات رأي وتحليلات تنتقد السياسات الأمريكية وتدعو إلى التعاون مع الصين. بالإضافة إلى ذلك، تقوم وسائل الإعلام الصينية بتغطية واسعة النطاق لزيارات المسؤولين الصينيين إلى الدول النامية، مع التركيز على الاتفاقيات المبرمة والمشاريع التي تم إطلاقها.

التركيز على مبادرة الحزام والطريق

تحتل مبادرة الحزام والطريق (BRI) مكانة مركزية في هذه الجهود. تسعى الصين إلى تصوير المبادرة، وهي مشروع ضخم للبنية التحتية يربط آسيا وأوروبا وأفريقيا، على أنها محرك للتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي. وتؤكد الحملات الإعلامية على أن مبادرة الحزام والطريق توفر فرصًا استثمارية هائلة للدول المشاركة، وتساعد على تحسين البنية التحتية وخلق فرص العمل.

ومع ذلك، تعرضت مبادرة الحزام والطريق لانتقادات بسبب مخاوف بشأن الشفافية والاستدامة والديون السيادية. وتشير بعض التقارير إلى أن بعض الدول المشاركة قد وقعت في “فخ الديون” بسبب قروضها من الصين.

في المقابل، تسعى الولايات المتحدة أيضًا إلى تعزيز نفوذها في الدول النامية من خلال مبادرات مثل شراكة البنية التحتية من أجل التنمية العالمية (PGII). تهدف PGII إلى توفير تمويل بديل لمشاريع البنية التحتية، مع التركيز على الاستدامة والشفافية.

تأتي هذه الجهود وسط توترات متزايدة بين الصين والولايات المتحدة في مجالات متعددة، بما في ذلك التجارة والتكنولوجيا وحقوق الإنسان. ويخشى بعض المحللين من أن هذه المنافسة قد تؤدي إلى انقسام العالم إلى كتل نفوذ متنافسة. بالإضافة إلى التوسع الاقتصادي، تهدف الصين إلى إظهار قدرتها على تقديم حلول للتحديات العالمية، مثل تغير المناخ والأمن الغذائي.

ويقول مراقبون إن استخدام الصين لوسائل الإعلام ليس جديدًا، لكن ما يميز الوضع الحالي هو التركيز الشديد على عرض مشاريع التنمية والترويج لروايتها الخاصة حول النظام العالمي. وهي تستغل الفراغ الذي تراه في القيادة الأمريكية، والذي تفاقم بسبب التغيرات السياسية الأخيرة.

في الوقت نفسه، تحذر وزارة الخارجية الأمريكية من أن “الدبلوماسية القسرية” الصينية يمكن أن تقوض السيادة وتهدد الاستقرار الإقليمي. وتدعو الدول النامية إلى الحذر وتقييم المخاطر والفوائد المرتبطة بالتعاون مع الصين.

وتشير تحليلات حديثة إلى أن استراتيجية الصين الإعلامية تتكيف بسرعة مع الظروف المتغيرة. فعلى سبيل المثال، بعد الحرب في أوكرانيا، كثفت الصين جهودها لتقديم نفسها كطرف محايد ووسيط نزيه. وهي تستخدم هذه الجهود لتعزيز علاقاتها مع كل من روسيا وأوروبا. النفوذ العالمي أصبحت نقطة محورية في الخطاب الدبلوماسي الصيني.

من المرجح أن تستمر الصين في الاستثمار في أدواتها الإعلامية لتعزيز نفوذها في العالم. ومع ذلك، فإن نجاح هذه الجهود سيعتمد على قدرة الصين على معالجة المخاوف بشأن الشفافية والاستدامة والديون. كما سيعتمد على قدرة الولايات المتحدة على تقديم بديل مقنع لمبادرات الصين. من المتوقع أن تصدر وزارة الخارجية الصينية تقريرًا شاملاً عن مبادرة الحزام والطريق في نهاية العام الحالي، والذي قد يتضمن ردودًا على الانتقادات الموجهة إليها.

ما يجب مراقبته في المستقبل القريب هو رد فعل الدول النامية على هذه الجهود المتنافسة، وكيف ستؤثر على قراراتها الاستثمارية وعلاقاتها الدبلوماسية. بالإضافة إلى ذلك، من المهم تحليل كيفية تطور الخطاب الصيني حول النظام العالمي في ضوء التغيرات الجيوسياسية المستمرة.

شاركها.