شهدت أسعار الذهب اليوم الخميس ارتفاعاً تاريخياً جديداً، مسجلةً أعلى مستوى لها على الإطلاق، مدفوعة بالتوترات الجيوسياسية والإقبال على الملاذات الآمنة قبل الانتخابات الرئاسية الأمريكية. وتتجه بذلك أسعار الذهب نحو تحقيق أفضل أداء شهري لها منذ سبعة أشهر. يرصد المستثمرون عن كثب بيانات التضخم الأمريكية بحثاً عن دلائل حول مستقبل أسعار الفائدة، في ظل تزايد المخاوف بشأن التباطؤ الاقتصادي العالمي. هذا الارتفاع في سعر الذهب يعكس حالة من عدم اليقين في الأسواق.
وبلغت قيمة الذهب الفوري في المعاملات 2786.89 دولاراً للأوقية (الأونصة) عند الساعة 0254 بتوقيت غرينتش، بعد أن سجلت في وقت سابق من الجلسة 2790.15 دولاراً، وهو رقم قياسي. وتشير التقديرات إلى أن الأسعار قد ارتفعت بنسبة 6% خلال شهر أكتوبر الحالي، مما يؤكد قوة الطلب على المعدن الثمين. كما انخفضت العقود الأمريكية الآجلة للذهب بنسبة طفيفة بلغت 0.1% لتصل إلى 2797.80 دولاراً.
سعر الذهب و العوامل المؤثرة في الارتفاع
يعزى هذا الارتفاع الحاد في سعر الذهب إلى عدة عوامل متداخلة، أهمها حالة عدم اليقين السياسي والاقتصادي السائدة عالمياً. اقتراب الانتخابات الرئاسية الأمريكية يثير قلق المستثمرين بشأن السياسات المستقبلية وتأثيرها المحتمل على الاقتصاد العالمي. بالإضافة إلى ذلك، تزايد التوترات الجيوسياسية في مناطق مختلفة من العالم، مثل الصراع في أوكرانيا والوضع في الشرق الأوسط، يزيد من الإقبال على الذهب كملاذ آمن للحفاظ على قيمة الأصول.
التضخم وأسعار الفائدة
يلعب التضخم دوراً حاسماً في تحديد مسار أسعار الذهب. يتوقع المستثمرون بيانات التضخم الأمريكية، والتي من المقرر إصدارها قريباً، لتقييم مدى احتمال قيام الاحتياطي الفيدرالي برفع أسعار الفائدة مرة أخرى. إذا أظهرت البيانات ارتفاعاً في معدل التضخم، فمن المرجح أن يقوم البنك المركزي الأمريكي برفع أسعار الفائدة لكبح جماح التضخم، وهو ما قد يؤدي إلى زيادة تكلفة الفرصة البديلة لحيازة الذهب وبالتالي الضغط على أسعاره.
ومع ذلك، إذا أظهرت البيانات انخفاضاً في معدل التضخم، فقد يؤدي ذلك إلى توقعات بتوقف الاحتياطي الفيدرالي عن رفع أسعار الفائدة، مما قد يعزز جاذبية الذهب كأصل استثماري آمن. تشير بعض التقارير إلى أن التضخم في الولايات المتحدة قد بدأ يتباطأ، لكنه لا يزال فوق هدف الاحتياطي الفيدرالي.
عوامل إضافية تؤثر على الطلب
بالإضافة إلى العوامل الاقتصادية والسياسية، هناك عوامل أخرى تؤثر على الطلب على الذهب. الطلب من البنوك المركزية على الذهب في تزايد مستمر، حيث تسعى العديد من الدول إلى تنويع احتياطياتها من العملات الأجنبية وتقليل اعتمادها على الدولار الأمريكي. وبحسب بيانات مجلس الذهب العالمي، شهدت مشتريات البنوك المركزية من الذهب ارتفاعاً ملحوظاً في السنوات الأخيرة.
كما أن الطلب من القطاع الصناعي على الذهب لا يزال قوياً، حيث يستخدم الذهب في مجموعة واسعة من التطبيقات الصناعية، مثل الإلكترونيات والطب. يزيد أيضاً من الطلب على الذهب خلال مواسم الأعياد والمناسبات الخاصة، حيث يعتبر الذهب من الهدايا الثمينة والمفضلة لدى الكثيرين. الاستثمار في المعادن الثمينة كنوع من التحوط ضد المخاطر المتزايدة أصبح شائعاً.
توقعات مستقبل أسعار الذهب والتحليل الفني
يبقى مستقبل سعر الذهب غير مؤكد ويتأثر بالعديد من العوامل المتغيرة. يرى بعض المحللين أن الذهب لديه القدرة على الارتفاع بشكل أكبر في المدى القصير والمتوسط، خاصة إذا استمرت التوترات الجيوسياسية في التصاعد وتراجع النمو الاقتصادي العالمي. في المقابل، يحذر آخرون من أن الارتفاعات الأخيرة في الأسعار قد تكون مبالغاً فيها وأن التصحيح السعري قد يحدث في أي وقت.
من الناحية الفنية، يشير تحليل الرسوم البيانية إلى أن سعر الذهب قد تجاوز مستويات مقاومة رئيسية، مما قد يشير إلى استمرار الاتجاه الصعودي. ومع ذلك، من المهم مراقبة مؤشرات الزخم الفني ومستويات الدعم والمقاومة لتحديد نقاط الدخول والخروج المحتملة. الاستثمار في الذهب يتطلب دراسة متأنية وتقييم للمخاطر.
من المتوقع أن يستمر المستثمرون في متابعة بيانات التضخم الأمريكية عن كثب، بالإضافة إلى أي تطورات جيوسياسية جديدة، لتقييم تأثيرها المحتمل على أسعار الذهب. كما ستكون قرارات الاحتياطي الفيدرالي بشأن أسعار الفائدة حاسمة في تحديد مسار أسعار الذهب في الأشهر المقبلة. وستراقب الأسواق عن كثب أيضاً أي تغييرات في سياسات البنوك المركزية الأخرى حول العالم. يبقى التباطؤ الاقتصادي العالمي من العوامل التي تزيد من جاذبية الذهب.
