التكنولوجيا تربي جيلا قلقا .. يا للآباء المساكين!
تظهر بيانات أن ما جلبته التطورات التكنولوجية من تطبيقات ووسائل توصل اجتماعي أحدثت تغيرات انعكست على الصحة العقلية لفئات عمرية صغيرة وجعلت الآباء يواجهون تحديات فريدة لم يعايشها أي جيل سابق من الآباء.
ووفقا لموقع منتدى الاقتصاد العالمي، ترسم البيانات صورة معقدة تتصاعد فيها مشكلات الصحة العقلية بين الشباب عالميا، ما دفع خبراء للتأكيد على الحاجة إلى استخدام التكنولوجيا استخداما متوازنا وإعادة تصميم الأدوات الرقمية لدعم رفاهية الأطفال.
وتجري بالفعل جهود لحماية الصحة العقلية للشباب في عالم يزداد رقمنة. ماذا تقول البيانات؟ يوجد اليوم 1.2 مليار شاب تراوح أعمارهم بين 15 و24 عاما يشكلون 16% من سكان العالم.
من الواضح أن القصة معقدة والبيانات لا تمثل إلى حد كبير البلدان ذات الدخل المنخفض والمتوسط، وفقا لأستاذة علم النفس كاثلين بايك.
ما تخبرنا به البيانات بوضوح، أن مشكلات الصحة العقلية في ارتفاع ومن المتوقع أن تزداد.
في 2019، كان واحد من كل 8 أشخاص، أو 970 مليون شخص في جميع أنحاء العالم، يعانون اضطرابا عقليا، وكانت حالات القلق والاكتئاب هي الأكثر شيوعا.
وفي 2020، ارتفع عدد الأشخاص الذين يعانون القلق والاكتئاب 26% و28% على التوالي، وتفيد منظمة الصحة العالمية أن واحدا من كل 7 أطفال تراوح أعمارهم بين 10 و19 عاما يعاني اضطرابا عقليا، ما يمثل 13% من العبء العالمي للأمراض في هذه الفئة العمرية على مستوى العالم.
ويعد الاكتئاب والقلق واضطرابات السلوك من بين الأسباب الرئيسة للمرض والإعاقة بين المراهقين، والانتحار هو السبب الرابع للوفاة بين الشباب الذين تراوح أعمارهم بين 15 و29 عاما. كما ارتفعت معدلات التوتر والخوف والشعور بالوحدة وتستمر في النمو.
قالت نيتا فرهاني، وهي باحثة رائدة في الآثار الأخلاقية والقانونية والاجتماعية للتكنولوجيات الناشئة في جامعة ديوك: “نحن في لحظة محورية (…) أطفالنا في تجربة مستمرة ولا نعرف ما ستكون النتيجة”.
أضافت، خلال الاجتماع السنوي للمنتدى الاقتصادي العالمي الأخير في دافوس: “لدينا بعض البيانات التي تساعد على إبقائنا على إطلاع والتفكير بشكل مختلف حول كيفية استخدام التكنولوجيا مع احترام الطفل ورفاهيته”.
في الفترة من 2014 إلى 2023، تضاعف عدد الأطفال الذين يستخدمون الإنترنت بشكل شبه دائم تقريبا، من 3 ساعات ونصف يوميا إلى 7 ساعات أو أكثر، وهذا يُظهر زيادة مستدامة في الوقت الذي يقضيه الأطفال على الإنترنت وليس ظاهرة مؤقته أثناء الجائحة، كما اعتقد كثيرون سابقا.
لا يوجد سبب واحد لهذه الزيادة المستدامة، ولكن وسائل التواصل الاجتماعي جزء من القصة. في المرحلة الأولية من دراسة استمرت 10 سنوات، وجد باحثون أن 60% من بين 7 آلاف شاب تراوح أعمارهم بين 16 و18 عاما يقضون ما يصل إلى 4 ساعات يوميا على المنصات، وفي بعض الحالات، ما يصل إلى 8 ساعات. وقالوا: إن النوم الجيد وممارسة التمارين الرياضية من شأنهما أن يحسنا الصحة العقلية لهذه الفئة العمرية.
يخلص عالم النفس الاجتماعي والمؤلف، جوناثان هايدت، إلى أننا نشهد قصة واضحة عن آباء يحمون أطفالهم في العالم الحقيقي حماية مفرطة مقارنة بالعالم الافتراضي.
يتعين علينا أن ننظر إلى تصميم التكنولوجيا وإعادة تصميمها، من منصات التواصل الاجتماعي التي تضع الخصوصية أولا إلى التكنولوجيات التي تركز على تمكين الأطفال، بدلا من إيقاعهم في الفخ.