تتصدر دولة الإمارات العربية المتحدة قطاع الخدمات المصرفية في منطقة الشرق الأوسط، مستحوذةً على الحصة الأكبر من أصول البنوك التي تبلغ 3.2 تريليون دولار أمريكي. تواصل الإمارات قيادة التحول الرقمي السريع في القطاع المالي، ما يعزز مكانتها الرائدة في المنطقة. وبحسب تقرير جديد صادر عن شركة “آرثر دي ليتل” للاستشارات الإدارية، فإن الدولة لا تسعى فقط للمنافسة، بل إلى وضع معايير عالمية جديدة في هذا المجال.

أظهر التقرير أن الإمارات تتبنى استراتيجيات مبتكرة مثل استراتيجية العملة الرقمية التي أطلقها البنك المركزي، بالإضافة إلى خطوات متقدمة في دمج تقنية البلوك تشين. هذه الجهود تعيد تعريف مفهوم المركز المالي الحديث، وتشكل نموذجًا يحتذى به عالمياً، مع التركيز على بناء نظام مصرفي يجمع بين التكنولوجيا المتقدمة وتلبية احتياجات العملاء المتغيرة.

التحول الرقمي في الخدمات المصرفية الإماراتية: ريادة إقليمية وعالمية

يؤكد خبراء “آرثر دي ليتل” أن الابتكار والتطور في القطاع المصرفي الإماراتي قد حققا قفزات نوعية، مستفيدين من تجارب أسواق جنوب شرق آسيا. يشمل ذلك اعتماد الخدمات المصرفية المفتوحة، ودمج الخدمات المالية في منصات غير مصرفية، واستخدام تحليلات البيانات المتقدمة لتقديم عروض مخصصة للعملاء. تهدف هذه الاستراتيجيات إلى تعزيز ولاء العملاء واستهداف شرائح جديدة من الشركات الصغيرة والمتوسطة.

نمو ملحوظ واستثمارات متزايدة في التكنولوجيا المالية

شهد قطاع الخدمات المصرفية الرقمية في الإمارات نموًا هائلاً بلغت نسبته 8.7% سنويًا خلال العامين الماضيين، متجاوزًا بذلك معدلات النمو في دول المنطقة الأخرى. تشير التوقعات إلى استمرار هذا النمو بقوة، بمعدل سنوي مركب يبلغ 4.8% بين عامي 2024 و 2029، ليصل حجم القطاع إلى 175.7 مليار دولار بحلول عام 2029. تعتمد البنوك الإماراتية بشكل متزايد على تقنيات حديثة مثل الذكاء الاصطناعي، والبلوك تشين، والحوسبة السحابية لتحسين تجربة العملاء وزيادة الكفاءة التشغيلية.

وباعتبارها أول دولة في المنطقة تطلق استراتيجية العملة الرقمية للبنوك المركزية، تقود الإمارات جهود تعزيز الشمول المالي والابتكار في القطاع الاقتصادي. هذه المبادرة التحويلية تضع حجر الأساس لمستقبل الخدمات المالية في المنطقة.

تغيير في العقلية والثقافة المؤسسية

يقول نيلسون دانام، مدير مشاريع أول في “آرثر دي ليتل”، إن التحول في القطاع المصرفي الإماراتي لا يقتصر على التكنولوجيا فحسب، بل يتعلق أيضًا بتغيير في العقلية والثقافة المؤسسية. إن الرغبة في تبني الذكاء الاصطناعي والبلوك تشين وحلول التكنولوجيا المالية المتقدمة تعكس ثقافة تحتضن التغيير على جميع المستويات.

من خلال الاستثمار في الابتكار وتطوير الكفاءات اللازمة لقيادته، تسعى البنوك الإماراتية ليس فقط لمواكبة المعايير العالمية، بل لصياغة هذه المعايير. هذا النهج الاستباقي يعزز مكانة الإمارات كنموذج يحتذى به على المستوى العالمي.

تشير البيانات إلى أن 80% من البنوك الإماراتية تعتبر التحول الرقمي أولوية قصوى في عام 2024. من خلال الشراكات الاستراتيجية مع شركات التكنولوجيا المبتكرة ومنصات إدارة علاقات العملاء السحابية، تعمل البنوك الإماراتية على إعادة تصميم تجربة العملاء وتحسين كفاءة العمليات، مما يوفر تجربة مصرفية رقمية متميزة.

يشير المحللون إلى أن مستقبل القطاع المصرفي في الإمارات سيشهد مزيدًا من الاستثمارات في التكنولوجيا المالية، وتوسيع نطاق الخدمات الرقمية، وتعزيز التعاون بين البنوك وشركات التكنولوجيا. ويجب مراقبة تطورات التشريعات المتعلقة بالعملات الرقمية وتقنية البلوك تشين، بالإضافة إلى تأثيرها على الاستقرار المالي والرقابة المصرفية. من المتوقع أن يستمر هذا المسار نحو الابتكار والتحول الرقمي في السنوات القادمة، مما يعزز مكانة الإمارات كمركز مالي رائد في المنطقة والعالم.

شاركها.