يُعد النحاس اليوم من المعادن الحيوية في التحول العالمي نحو الطاقة النظيفة، بعد أن هيمن الليثيوم والكوبالت المستخدمة لبطاريات السيارات الكهربائية، والطاقة الشمسية.
تدرك الصين هذه الأهمية الإستراتيجية للمعدن، حيث تسعى جاهدة لتأمين إمدادات النحاس، خاصة من إفريقيا، حيث تستثمر مبالغ طائلة في مشاريع التعدين والتصنيع.
منذ زمن طويل، طالما كانت جمهورية الكونغو الديمقراطية وزامبيا الوجهتين الأساسيتين للصين، لكن بوتسوانا بدأت تجذب اهتماما متزايدا.
وفقا لصحيفة “ساوث تشاينا مورنينج بوست”، قال مايكل فينش، رئيس قسم النحاس في شركة بنش مارك مينرال انتليجنس: “دون النحاس، لن نحقق التحول في مجال الطاقة”.
استحوذت شركة إم إم جي الصينية على منجم خويماكاو في بوتسوانا مقابل 1.9 مليار دولار، مع تعهد باستثمار 700 مليون دولار إضافية لزيادة الإنتاج. وفي زامبيا، استحوذت شركة جي سي إتش إكس الصينية للتعدين على 80% من منجم لوبامبي مقابل دولارين فقط، وتخطط لضخ استثمارات تفوق 800 مليون دولار لتوسيعه. كما تملك شركة سي إن إم سي الصينية للتعدين أصولاً نحاسية كبيرة في زامبيا.
لكن لا تزال جمهورية الكونغو الديمقراطية أكبر مصدر للنحاس من إفريقيا بالنسبة إلى الصين، فشحنات النحاس المُكرر من جمهورية الكونغو الديمقراطية قد قفزت أكثر من 71% على أساس سنوي لتصل إلى 1.48 مليون طن في 2024، كما يتضح من بيانات التجارة.
وقد أصبحت الدولة ثاني أكبر منتج للنحاس في العالم، متجاوزة بيرو، وتعود 76% من الزيادة في إنتاج النحاس في السنوات السبع الأخيرة إلى استثمارات صينية، بحسب فينش.
كما تتوقع شركة بنش مارك نموًا إضافيًا في إنتاج المناجم حتى 2028، وهو الموعد المتوقع لبلوغ ذروة الإنتاج.
وفقًا لكاي شوه، محامٍ متخصص في شؤون التعدين بين الصين وإفريقيا، يتوقع أن يسهم هذا النمو المستمر في رفع الناتج المحلي الإجمالي لجمهورية الكونغو إلى مستوى الدخل المتوسط. ورغم تنوع مصادر النحاس عالميًا، يرى شوه أن الكونغو وزامبيا تبرزان كأكثر الدول الواعدة في نمو الصادرات.
يتزامن هذا التوجه مع مواجهة بكين لمنافسة وقيود غربية متزايدة، لا سيما سياسة كندا لعام 2022 التي تقيد استحواذ الشركات الصينية على الأصول المعدنية الحيوية.
وفي هذا السياق، أشار كاي شوه إلى أن النحاس الإفريقي أصبح ذا أهمية بالغة للصين، في ظل هذه القيود الغربية، موضحًا أن كندا لم تسمح لشركة زيجين الصينية بالشراكة مع بان أمريكان سيلفر الكندية في منجم “لا أرينـا 2” إلا بشرط أن يُباع جزء كبير من إنتاج النحاس لكندا وحلفائها.
من جانبها، تحاول الولايات المتحدة تقليل اعتمادها على سلاسل التوريد الصينية. فقد تدخلت لمنع صفقة استحواذ شركة نورين الصينية للتعدين على أصول نحاسية في الكونغو، وتوسطت بين الكونغو ورواندا في اتفاق سلام بين الدولتين يمنح واشنطن موطئ قدم في أصول معادن نادرة.
مع ذلك، يقول المحامي كاي شوه إن الشركات الغربية لا تبدي اهتماما بالمشاريع الكبرى في الكونغو، وستكون الصين المصدر الرئيس لتمويل هذه المشاريع. ويرى أن عرقلة الصين في هذه الاستثمارات سيقوض فرص الكونغو في تحقيق تنمية اقتصادية شاملة.
ختامًا، يرى المحامي كانيي لوي، المتخصص في تمويل المشاريع الدولية ورئيس قسم الصين في شركة بينسنت ماسونز، أن الاستثمار في التعدين جزء أساسي من إستراتيجية الصين العالمية.
وأشار إلى أن الشراكة الحقيقية مع الصين، ولا سيما تحت إطار سياسة “مبادرات صغيرة وجميلة”، في إشارة إلى خطة بكين لدعم مشاريع صغير للبنى التحتية المتعلقة بالتجارة خارج الدولة، يمكن أن تغير التاريخ الطويل من الاستغلال في إفريقيا.