أحمد التميمي .. تاجر الابتدائية صنع “قطوف وحلا” من بسطة خضار
احتضنت الجدة حفيدها في منزل شعبي في مدينة عنيزة وسط ليل دامس وطقس بارد، آنذاك كانت تروي قصص “الشاطر حسن” و بعض أحداث “ألف ليلة وليلة”، ثم تردد أبيات شِعر تحتوي على الحِكمة والفصاحة.
ومن بين قصائد كثيرة سمعها الطفل أحمد المفتون بحكايات الأبطال الخارقة، نال إعجابه بيت “من طلب العُلا سهر الليالي” الذي سأل جدته عن معناه مرارًا، وحين فهمه، أصبح قاعدة عمل بها طوال حياته التجارية التي بدأت من المرحلة الابتدائية حتى صار رجلًا يملك شركة لها نحو 200 فرع في مختلف أنحاء السعودية.
ولد أحمد التميمي في عام 1976 في أسرة متواضعة، وعمل والده موظفا في وزارة الداخلية في الرياض، وبسبب غياب الأب 5 أيام أسبوعيًا في العاصمة، ارتبط الطفل أكثر بجدته التي كانت تدلله دلالا خاصا كونه أكبر الذكور، فكانت تمنحه 4 ريالات يوميًا ليصرفها، مقابل ريال واحد لأشقائه، ورغم قلق الأم من هذا “الدلال”، لكن العكس هو ما حدث، إذ كل ما شغل “أحمد” حينها، كيف يضاعف الريالات الأربعة؟
هذا التفكير الذي لازمه حتى دخول المدرسة الابتدائية، دفعه أن يرى في زملائه “زبائن محتملين”، ورغم مشاغبته وعدم حبه للدراسة التي أُرغم عليها بسبب إيمان أسرته بالعلم، لكنه سرعان ما نجح في أول مشاريعه التي كانت عبارة عن “بسطة” يبيع من خلالها الحلويات والعصائر، وتجاهل حينها سخرية الأطفال منه، لتكون أول دروس البزنس التي تعلّمها كما يقول هو “لا تتعالى على أي عمل مهما كان”.
في المرحلة المتوسطة، اتسعت مشاريع “التميمي”، وبدعم من أسرته، تمكّن من تحويل “بسطة خضار” إلى محل، واستعان بعامل يساعده، ليتحوّل يوم “أحمد” إلى مغادرة البيت فجرًا وشراء البضائع من السوق ثم الذهاب إلى المدرسة والعودة إلى المحل مرة أخرى، ورغم أن ذلك أثّر في مستواه الدراسي فعرف “الدوائر الحمراء” ورسب في أحد الأعوام، لكن 150 ريالا أرباحا في اليوم كانت كافية أن تجعله يستمر في العمل الذي تضاعف خلال 10 سنوات، أصبح فيها الفتى شابًا وموردًا لأكثر من محل خضار، بجانب عمله كخطاط وسائق توصيل طلاب المدارس ومشرف على مشروع زراعي.
“لا يوجد إنسان ينجح من أول مرة”، قاعدة تعلّمها الشاب الذي بلغ 22 عامًا في 1998، وتمكّن من جمع 20 ألف ريال، ليشتري وكالة دعاية وإعلان، ويدخل مجالا جديدا تعلّم فيه مقاسات اللافتات وتوزيع الإضاءة بشكل جيد، لكن سرعان ما باعها بسبب تعرض أحد العاملين لديه لحادث، واضطر التميمي إلى دفع مبلغ كبير لإنقاذ حياته، وفي نفس العام، انتقل إلى الجبيل للالتحاق بوظيفة في شركة “سابك” لإنتاج الكيماويات المتنوعة، وهي شركة رائدة وصلت قيمتها التسويقية إلى 82.5 مليار دولار في 2022، لتحتل المركز الثاني عالميًا بين شركات الكيماويات.
لم يتخل “التميمي” عن عقليته التجارية حتى حين انضم إلى “سابك”، فبمجرد أن لاحظ شكوى زملائه من غلاء أسعار التمور وصعوبة الحصول عليها، حتى تواصل مع تجّار تمور في القصيم، وافقوا على أن يمدّوه بما يريد، وفي ملحق خارجي في بيته، خزّن “أحمد” بضاعته التي أعلن عنها من خلال رسائل الهاتف، وتوقّع ألا يبيع أكثر من 200 كرتونة، لكنه فوجئ ببيع 900 كرتونة خلال يومين، وذلك بسبب أسعاره وجودة بضائعه.
سنوات قليلة كانت كافية أن يصبح “التميمي” من أكبر موردي التمور في المنطقة الشرقية بجانب عمله في “سابك” التي وصل فيها إلى منصب منسق المواد الكيميائية، وفي ظل توقعات أن يستمر في تجارته، كان هو يجرّب مجالا آخر ليثبت أن التحدي والإصرار أهم من تكوين الثروة، وبالفعل بدأ في استيراد بعض الحلويات من الكويت التي كان يسافر إليها أسبوعيا مع أسرته لشراء البضائع من الأسر المنتجة هناك، ليخزّنها في ملحق خارجي في بيته ثم يبدأ بيعها من خلال حساب “إنستجرام” أشرفت عليه زوجته وشريكة رحلته “أم أنس”.
الحظ شريك الناجحين، لذلك بعد 3 أعوام من بدء النشاط الجديد، وتحديدًا في 2015 دخل التميمي في شراكة مع خاله، وصديق ثالث، لافتتاح أول محل حلويات في الظهران تحت اسم “قطوف وحلا” برأسمال 450 ألف ريال، وفي يوم الافتتاح اشترط “التميمي” أن تقص والدته شريط بدء العمل، كما أصر على أن يكون موعد الافتتاح قبل غروب الشمس بساعة، وهما شرطان لم يتخل عنهما “أبو أنس” واعتبرهما تميمة الحظ لديه، ووقتها أيضًا توقع أن تصل أرباح اليوم الأول إلى 4 آلاف ريال قبل أن يُدهش بالمكاسب التي وصلت إلى 200 ألف ريال.
من الظهران، ثم عنيزة وتبوك والرياض، تضاعفت فروع “قطوف وحلا” التي وصلت في عام 2023 إلى 200 فرع في مختلف أنحاء السعودية، ومعها تضاعفت ثروة “التميمي” الذي يصر حتى الآن على التعاون مع الأسر المنتجة وتخصيص جزء داخل الفروع لعرض بضائعهم، وقد وصل عددهم إلى 15 ألف أسرة، ويقول هو في برنامج “ذات” مع نجم الهلال السابق سامي الجابر : “أهم ما فعلته السعودية في ظل رؤية 2030، أنها خلّصت السعوديين من مفاهيم خاطئة، أهمها الخجل من بعض الأعمال، فصاروا يؤمنون بقيمة العمل أكثر”.
إضافة إلى دوره الاستثماري، يتولى “أبو أنس” رئاسة نادي “النجمة السعودي” منذ سبتمبر 2022، ويعد ذلك تحديا جديدا، إذ يأمل أن يُعيد الفريق إلى دوري روشن، وقد بدأ بحوكمة النادي استعدادًا للمنافسة، خاصة أن حجم السوق الرياضية وصل حتى يونيو الماضي إلى 30 مليار ريال، ومن المتوقع أن يبلغ 84 مليار ريال في 2030.
لم تنته رحلة “التميمي” بعد، فالفتى الذي ترك الدراسة بعد المرحلة المتوسطة، أصبح من أشهر رجال الأعمال السعوديين، ورغم ذلك، ما زال يعمل بيديه، لذلك إن دخلت أي فرع من “قطوف وحلا” لا تندهش إن رأيته وهو يغلّف الشوكولاتة بيديه، أو يخبرك بنفسه عن عروض “البقلاوة”، أما إذا طلبت نصيحته فستكون ضرورة “التعليم” الذي أدرك قيمته متأخرا، والإيمان بأن الرزق بيد الله فقط، وسيختم حديثه بحِكمة “موطن الفتى حيث يوجد عمله”.