ما هو “الهبوط الناعم” في عالم الاقتصاد والمال؟
الهبوط الناعم (Soft landing) في الاقتصاد هو تباطؤ دوري في النمو الاقتصادي بهدف تجنب الركود. عادة ما يكون الهبوط الناعم هو هدف البنك المركزي عندما يسعى إلى رفع أسعار الفائدة لكبح جماح التضخم المرتفع، دون التسبب في تراجع حاد. وقد يشير الهبوط الناعم أيضًا إلى التباطؤ التدريجي و”غير المؤلم” نسبيًا للاقتصادات والصناعات المحلية.
مفهوم الهبوط الناعم
في حين يمكن لركاب الخطوط الجوية أن يعتبروا الهبوط الناعم أمرا مفروغا منه هذه الأيام، فإن دورات رفع أسعار الفائدة السابقة للاحتياطي الفيدرالي لا تتمتع بنفس سجل النجاح المنتظم.
لقد اكتسب مصطلح “الهبوط الناعم” رواجاً خلال فترة ولاية رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي السابق ألان جرينسبان، الذي يُنسب إليه الفضل على نطاق واسع في هندسة الهبوط الناعم في الفترة ما بين 1994-1995. وكان صرح رئيس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول أيضًا أن الفيدرالي حقق هبوطًا سلسًا في عامي 1965 و1984 وكان في طريقه لتحقيق هبوط آخر في عام 2020 قبل حدوث جائحة “كوفيد-19”.
“OECD” ترسم صورة “قاتمة” للاقتصاد العالمي في العام المقبل
في المقابل، دخل الاقتصاد الأميركي في ركود في أعقاب الحالات الخمس الأخيرة التي بلغ فيها التضخم ذروته فوق 5%، وتحديدا في الأعوام 1970، و1974، و1980، و1990، و2008.
وقد تجاوز التضخم 5% في عام 2022، كما دخل الاقتصاد الأميركي حينها في ركود تقني بعد تسجيل نموا سلبيا في ربعين متتاليين (الربع الأول والثاني من العام) للناتج المحلي الإجمالي.
ولمحاربة هذا التضخم، قام بنك الاحتياطي الفيدرالي بزيادة أسعار الفائدة على مدار العام، مما أدى إلى انخفاض التضخم إلى جانب النمو الاقتصادي في الربع الثالث.
اعتبارات خاصة
لا يمارس الاحتياطي الفيدرالي نفس السيطرة على مسار الاقتصاد مقارنة بتحكم الطيار على الطائرات. إن أدوات السياسة الرئيسية التي يستخدمها بنك الاحتياطي الفيدرالي (أسعار الفائدة وحيازات الأصول) هي أدوات حادة غير مصممة لحل اضطرابات متعلقة بسلسلة التوريد أو الأوبئة أو تداعيات الحروب التجارية بين الدول.
وكان قال رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي السابق بن برنانكي: “إذا كان صنع السياسة النقدية أشبه بقيادة السيارة، فإن السيارة هي السيارة التي تحتوي على عداد سرعة غير موثوق، وزجاج أمامي ضبابي، وتميل أيضا إلى الاستجابة بشكل غير متوقع ومع تأخير في دواسة الوقود أو الفرامل.”
ما الفرق بين الهبوط الناعم والهبوط الصعب في الاقتصاد؟
يقوم البنك المركزي في الدولة بتعديل أسعار الفائدة لإدارة الاقتصاد. إذا كان التضخم مرتفعًا جدًا، فسيقوم البنك المركزي بزيادة أسعار الفائدة بهدف إبطاء الإنفاق. وإذا رفع البنك المركزي أسعار الفائدة بدرجة أعلى مما ينبغي أو في وقت مبكر للغاية، فسيكون ذلك بمثابة هبوط حاد. وإذا قام البنك المركزي برفع الفائدة ببطء أو بمقدار صغير، فهذا هبوط ناعم. هناك خط رفيع بين الاثنين وكيف سيؤثر رفع أسعار الفائدة على الاقتصاد. ولن يرغب البنك المركزي في حدوث هبوط حاد لأنه قد يكون له تداعيات سلبية خطيرة على الاقتصاد.
ما هي الأسباب الرئيسية للتضخم؟
الأسباب الرئيسية للتضخم هي إما متعلقة بالطلب (عندما يكون الطلب على السلع والخدمات أكبر من العرض لتلبية هذا الطلب)، أو التضخم الناتج عن التكلفة (الزيادة في الأسعار بسبب ارتفاع أسعار المواد الخام والعمالة). هناك أسباب أخرى متعلقة بزيادة المعروض النقدي، وارتفاع الأجور، وانخفاض قيمة عملة الدولة.
ما هي أدوات السياسة النقدية؟
يمتلك البنك المركزي في أي بلد ثلاث أدوات أساسية للتحكم في سياسته النقدية. وهي التحكم في متطلبات الاحتياطي لدى البنوك، وتعديل سعر الفائدة والقروض، وعمليات السوق المفتوحة (شراء وبيع الأوراق المالية).
أحدث قرارات الفيدرالي
قام الفيدرالي برفع سعر الفائدة 7 مرات في 2022، في اجتماعات خلال أشهر مارس ومايو ويونيو ويوليو، وسبتمبر، ونوفمبر وديسمبر.
ورفع الفيدرالي أسعار الفائدة 4 مرات في عام 2023 وثبتها مرتين، بينما يتبقى اجتماعين في 1 نوفمبر، و13 ديسمبر 2023. وبهذا وصلت أسعار الاقتراض إلى مستويات ما بين 5.25% و5.5%، وهي أعلى مستوى في أكثر من عقدين.
وأبقى جيروم باول على أسعار الفائدة بلا تغيير في اجتماعه الأخير لشهر سبتمبر، لكنه غلظ موقفه إزاء التشديد النقدي، إذ من المتوقع أن يرفع سعر الفائدة مجددا بحلول نهاية العام وأن يشدد السياسة النقدية حتى 2024 بشكل أكبر من المتوقع سابقا.
وقال باول، بعد تثبيت لجنة السوق المفتوحة أسعار الفائدة وفق التوقعات، إن هناك فرصة جيدة ألا تؤدي زيادات أسعار الفائدة القوية إلى دفع الاقتصاد الأميركي إلى الركود على الرغم من وجود أمور خارجة عن سيطرة البنك المركزي.
وأضاف: “دائما ما أعتقد أن الهبوط السلس هو توقع ممكن”، مشيرا إلى إن توقعاته لا تزال قائمة، لكنه حذر من أن عوامل أخرى قد تؤثر على توقعات البنك المركزي.
وتوقع مسؤولو البنك نموا أفضل ومعدل بطالة أقل، مما يشير إلى الثقة في أن الاقتصاد سيصمد أمام رفع أسعار الفائدة دون أن يعاني كثيرا.