انقلاب عسكري في عملاق النفط الإفريقي.. ماذا يحدث في “الغابون”؟
استولت مجموعة من كبار ضباط الجيش في الغابون على السلطة في الساعات الأولى من صباح يوم الأربعاء بعد دقائق من إعلان اللجنة الانتخابية في الدولة الواقعة في وسط أفريقيا فوز الرئيس علي بونغو بولاية ثالثة.
وقال الضباط لقناة “غابون 24” التلفزيونية إنهم يمثلون جميع قوات الأمن والدفاع الغابونية. كما أعلنوا إلغاء نتائج الانتخابات، وإغلاق كافة الحدود حتى إشعار آخر وحلّ مؤسسات الدولة.
وتسيطر عائلة “بونغو” على حكم الكونغو منذ أكثر من 56 عاماً، البلد الغني بالنفط والمنغنيز.
اقتصاد الغابون وتأثيره على النفط
انتعش التعافي الاقتصادي في الغابون، ليصل إلى 3.1% في عام 2022. وقد استفاد الميزان التجاري للبلاد وماليتها العامة من ارتفاع أسعار السلع الأساسية والأداء الجيد لصادرات السلع الأساسية مثل النفط والأخشاب والمنغنيز. ونتيجة لذلك، سجلت الغابون أقوى فائض في الميزانية في عام 2022 منذ صدمات أسعار النفط في عام 2014.
ومع ذلك، إلى جانب تأثير الغزو الروسي لأوكرانيا، أدت الآثار الطويلة الأمد لجائحة كوفيد-19 على سلاسل التوريد العالمية إلى ارتفاع أسعار الغذاء والطاقة العالمية. ومع تزايد تأثر سكان الغابون، ولا سيما الأكثر ضعفا، بالضغوط التضخمية، زادت الحكومة الإنفاق على دعم الوقود والمواد الغذائية لاحتواء ارتفاع تكاليف المعيشة.
وتعد الغابون رابع أكبر منتج للنفط في إفريقيا جنوب الصحراء، إذ يبلغ إنتاجها النفطي 192 ألف برميل يومياً وفقاً لبيانات البنك الدولي في عام 2022، وتعد بذلك المنتج رقم 31 عالمياً للنفط.
وعلى الرغم من إنتاجها النفطي إلا أن تأثيره محدود بصورة كبيرة على الأسواق العالمية، إذ يتجاوز إنتاج الولايات المتحدة من النفط 11.5 مليون برميل يومياً، كأكبر منتج عالمي.
ارتفعت أسعار النفط بأقل من 0.6% خلال اليوم ليصل سعر خام برنت 85 دولارا.
انقلابات دول الساحل الإفريقي
وفي حالة نجاحه، فسيكون الانقلاب هو الثامن في غرب ووسط أفريقيا منذ عام 2020. والتي كان آخرها، في النيجر في يوليو. كما استولى ضباط عسكريون على السلطة في مالي وغينيا وبوركينا فاسو وتشاد.
ويقول منتقدو الرئيس “بونغو” إنه لم يفعل الكثير لتوجيه النفط والثروات الأخرى نحو السكان البالغ عددهم نحو 2.3 مليون نسمة، إذ يعيش ثلثهم في الفقر.
تأثيرات فورية
وانخفضت سندات الغابون المقومة بالدولار بنحو أربعة سنتات يوم الأربعاء، وقالت شركة التعدين الفرنسية إراميت، التي تملك وحدة “كوميلوغ” لإنتاج المنغنيز في الغابون، اليوم الأربعاء، إنها علقت كافة عملياتها في البلاد في أعقاب تطورات وقعت خلال الليل في البلاد.
وانخفض سهم الشركة بنحو 19% في أعقاب الإعلان عن الانقلاب العسكري.
وقال متحدث باسم الشركة: “بدءاً من هذا الصباح تم تعليق كل عمليات كوميلوغ وستراغ، فضلاً عن وقف عمليات النقل عبر السكك الحديدية”.
صفقة منحوسة
وقبل أسبوعين وافقت شركة النفط الفرنسية “إم آند بي” Maurel & Prom (M&P) على الاستحواذ على شركة التنقيب عن النفط والتوزيع التي تركز على الغابون “أصالة للطاقة” من صندوق الأسهم الخاصة مجموعة كارلايل مقابل 730 مليون دولار (671.6 مليون يورو).
وبموجب الاتفاقية، ستستحوذ شركة M&P على 100% من أسهم شركة أصالة للطاقة وجميع كياناتها التابعة التي تمتلك كامل أصولها في مجال التنقيب والإنتاج في الغابون.
وقالت M&P إن الأصول التي يتم النظر في الاستحواذ عليها تقع في موقع استراتيجي بجوار أصولها الحالية في الغابون.
وفي النصف الأول من عام 2023، أعلنت أصالة عن إنتاج 40.700 برميل من النفط يومياً على أساس فوائد العمل الموحدة.
ورهنا بالموافقات، بما في ذلك موافقة جمهورية الغابون ولجنة “Communauté Economique et Monétaire de l’Afrique Centrale” لمراقبة الاندماج، كان من المقرر إغلاق الصفقة في الفترة ما بين الربع الأخير من عام 2023 والربع الأول من عام 2024.
علاوة على ذلك، وافقت الحكومة الغابونية على زيادة حصتها في شركة أصالة غابون التابعة لشركة أصالة إلى 27.5% من 25%. ويعتمد هذا على شروط اقتصادية مماثلة لاستحواذ M&P.
كما تمتلك الحكومة خيارا لزيادة حصتها في أصالة الغابون بنسبة 12.5% إضافية على مدى السنوات الخمس المقبلة، بشروط مماثلة.
وفي هذه الأثناء، تراجع سهم “إم آند بي” بنسبة 20% مع إعلان الانقلاب، حيث كانت الشركة قد تعهدت بضخ استثمارات بقيمة 85 مليون دولار في الدولة الواقعة في غرب إفريقيا في مارس الماضي، بخلاف صفقة الاستحواذ.
تاريخ الغابون مع “أوبك”
الدولة الواقعة في غرب وسط إفريقيا، إحدى أكثر دول المنطقة ازدهاراً، والأعلى في مؤشر التنمية البشرية في منطقة إفريقيا جنوب الصحراء، وساعد في ذلك الكثافة السكانية الصغيرة – التي تقدر بنحو 2.3 مليون نسمة – إلى جانب الموارد الطبيعية الوفيرة، خاصة النفط، حتى إنها باتت تعرف بـ “عملاق النفط” الإفريقي.
تبلغ مساحتها 270 ألف كم2 تقريباً، ويحدها خليج غينيا من الغرب وغينيا الاستوائية إلى الشمال الغربي والكاميرون إلى الشمال والكونغو من الشرق والجنوب، استقلت عن فرنسا عام 1960، ومنذ ذلك التاريخ حكمها ثلاثة رؤساء فقط، بداية من ليون مبا عام 1961. المتهم بتطبيق نظام حكم “ديكتاتوري سعى لضمان المصالح الفرنسية”. وبعد وفاته عام 1967 حل مكانه عمر بونغو حتى وفاته عام 2009. ثم نجله الرئيس الحالي علي.
وقد عادت الغابون رسمياً إلى منظمة الدول المصدرة للنفط”أوبك” عام 2016، بعد أن كانت عضواً سابقاً فيها بين 1975 و1995، وتركت مؤقتاً بسبب الرسوم السنوية المرتفعة، بحسب تقرير سابق لصحيفة “الشرق الأوسط”. هذا، وبلغ إنتاج الغابون من الغاز الطبيعي 454 مليون متر مكعب بنهاية 2021، ارتفاعاً من 80 مليون متر مكعب فقط في 2010، وفقاً لتقرير “أوبك” السنوي. وهي تمتلك 26 مليار متر مكعب من احتياطيات الغاز الطبيعي المؤكدة بنهاية 2021، معظمها في حقول النفط. وتعتمد الحكومة الغابونية بشكل كبير على إيرادات النفط الخام، والتي تمثل مع إيرادات السوائل الأخرى قرابة 45% من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد. ثم إن صادرات الغابون من النفط والسوائل الأخرى شكّلت ما يقرب من 79% من إجمالي إيرادات الصادرات خلال عام 2021.