مع استمرار تطور شبكات السكك الحديدية العالمية، يشهد عام 2026 تحولاً ملحوظاً في عالم السفر بالقطار. لم يعد القطار مجرد وسيلة نقل بديلة للطيران، بل أصبح تجربة سفر متكاملة بحد ذاتها، مع التركيز على الفخامة والراحة والوصول إلى وجهات جديدة. هذا التطور يفتح آفاقاً واسعة للمسافرين، ويعد بتغيير طريقة تفكيرنا في الرحلات الطويلة.
تتجه الأنظار نحو أوروبا والشرق الأوسط وأمريكا الشمالية، حيث تشهد هذه المناطق توسعات كبيرة في خدمات القطارات، سواء من خلال إطلاق خطوط جديدة أو تطوير الخطوط القائمة. هذه التوسعات مدفوعة بالطلب المتزايد على السفر المستدام، بالإضافة إلى الرغبة في توفير تجارب سفر فريدة ومميزة.
إيطاليا تتحدى هيمنة ألمانيا في سوق القطارات السريعة
تخطط شركة ترينيتاليا الإيطالية لدخول السوق الألمانية بقوة، وذلك من خلال تشغيل قطارات “فريتشاروسا” الحديثة على خطوط دولية تربط إيطاليا بالنمسا وألمانيا. وتهدف الشركة إلى منافسة قطارات “آي سي أيه ICE” داخل ألمانيا نفسها، وتقديم أسعار أكثر تنافسية وخدمات أفضل.
بالتوازي مع ذلك، تستعد شركة إيتالو الإيطالية للاستثمار بمليارات اليوروهات في أسطول جديد من القطارات السريعة، يصل حجمه إلى 40 قطاراً، لربط مدن ألمانية رئيسية مثل برلين وميونيخ وفرانكفورت وهامبورغ. هذه الخطوة تمثل تحدياً مباشراً لشركة دويتشه بان الألمانية، التي تواجه صعوبات في الحفاظ على التزامها بالمواعيد بسبب البنية التحتية المتقادمة.
تحديات البنية التحتية الألمانية
على الرغم من الترحيب بالاستثمارات الجديدة، يثير البعض مخاوف بشأن قدرة البنية التحتية الألمانية الحالية على استيعاب المزيد من القطارات. فقد يؤدي زيادة عدد القطارات على المسارات المكتظة إلى تفاقم مشكلة التأخيرات، ما يتطلب استثمارات إضافية في تحديث وتوسيع الشبكة الحديدية.
عودة قوية لقطارات الليل الأوروبية
يشهد السفر الليلي بالقطار عودة ملحوظة في أوروبا، مدفوعة بالرغبة في تقليل الاعتماد على الطيران وتوفير تجربة سفر أكثر استرخاءً. ومع ذلك، فإن تشغيل هذه الخطوط يظل معقداً ومكلفاً، ويتطلب دعماً حكومياً مستمراً.
بعد توقف مؤقت بسبب سحب الدعم الحكومي، تعيد شركة يوروبين سليبَر البلجيكية الهولندية تشغيل خط باريس-برلين عبر بروكسل في مارس 2026. وستقدم الشركة عربات مجددة تجمع بين المقصورات النائمة والمقاعد القابلة للإمالة، بالإضافة إلى خدمات حديثة تلبي احتياجات المسافرين المختلفة.
خطوط جديدة تربط شمال وغرب أوروبا
بالإضافة إلى ذلك، سينطلق خط ليلي جديد يربط أمستردام وبروكسل بسويسرا وميلانو في يونيو 2026. هذا الخط، الذي يمتد لمسافة 1100 كيلومتر عبر أربع دول، سيوفر خياراً عملياً ومريحاً للمسافرين بين شمال وغرب أوروبا وإيطاليا.
توسع في خدمات القطارات الفاخرة
في أمريكا الشمالية، تواصل قطارات روكي ماونتنير الفاخرة توسيع نطاق خدماتها، مع إطلاق مسار جديد في صيف 2026 يعبر مقاطعتي بريتيش كولومبيا وألبرتا الكنديتين. تتميز هذه الرحلات بالقطارات ذات السقف الزجاجي، والإقامة الفندقية، والجولات الطبيعية التي تأخذ المسافرين إلى أجمل المناظر الطبيعية في المنطقة.
أما في السعودية، فينتظر إطلاق “حلم الصحراء” في عام 2026، وهو قطار فاخر يضم 41 جناحاً مصمماً في إيطاليا، وسيسير في رحلة تمتد 1300 كيلومتر من الرياض إلى القريات. يهدف هذا المشروع إلى جذب السياحة الدولية، وتسليط الضوء على جمال الصحراء والمناظر الطبيعية الجبلية.
تطورات في شبكات السكك الحديدية الإقليمية
تشهد أوروبا الوسطى أيضاً تطورات مهمة في شبكات السكك الحديدية، حيث يعود الربط المباشر بين بودابست وبلغراد في مارس 2026 بعد توقف دام منذ عام 2019. وقد تم إعادة بناء هذا الخط بدعم صيني، وسيشهد تشغيل ما يصل إلى ست رحلات يومية بسرعة تصل إلى 200 كيلومتر في الساعة داخل صربيا.
بالإضافة إلى ذلك، تعود القطارات المباشرة بين براغ وكوبنهاغن في مايو 2026 بعد انقطاع دام أكثر من عقد. وستقلل القطارات الجديدة زمن الرحلة بأكثر من ثلاث ساعات، وستقدم تجربة سفر حديثة تشمل عربات مطعم وخدمات رقمية ومساحات مخصصة للعائلات.
الإمارات العربية المتحدة تنضم إلى سباق القطارات السريعة
تستعد الإمارات العربية المتحدة لإطلاق أول شبكة ركاب لقطارات الاتحاد في عام 2026، والتي ستربط 11 مدينة عبر الإمارات السبع. وستربط المرحلة الأولى أبوظبي بدبي في غضون 57 دقيقة فقط، بسرعة تصل إلى 200 كيلومتر في الساعة.
اليابان تواصل ريادتها في مجال الفخامة
في اليابان، يظل قطار “سبع نجوم في كيوشو” رمزاً للفخامة والتميز في عالم السفر بالقطار. ويواصل القطار رحلاته التي تمتد من يومين إلى أربعة أيام، ويقدم تجربة فريدة تجمع بين الحرف اليابانية التقليدية والمطبخ المحلي والمناظر الطبيعية الخلابة.
بشكل عام، يشير عام 2026 إلى فترة واعدة لتطوير السفر بالقطار، مع استثمارات كبيرة في البنية التحتية وخدمات جديدة تركز على الراحة والاستدامة. من المتوقع أن تشهد السنوات القادمة المزيد من التوسعات والابتكارات في هذا المجال، مما سيجعل السفر بالقطار خياراً أكثر جاذبية للمسافرين حول العالم. يبقى أن نرى كيف ستتعامل ألمانيا مع التحديات المتزايدة في بنيتها التحتية، وما إذا كانت ستتمكن من الحفاظ على مكانتها كمركز رئيسي للسفر بالقطار في أوروبا. كما يجب مراقبة مدى استمرار الدعم الحكومي لخطوط القطارات الليلية، وتأثير ذلك على مستقبل هذا النوع من السفر.
