تشهد صناعة التصميم موجة متزايدة من الحنين إلى الماضي، حيث تقوم شركة “ري-إديشن” (Re-Edition) بإحياء التصميم القديم من منتصف القرن العشرين. تستهدف الشركة جمهورًا جديدًا من خلال إعادة إنتاج أعمال مصممين مرموقين نسيها الزمن، مما يثير اهتمامًا متجددًا بجماليات تلك الحقبة. وقد بدأت الشركة عملياتها في عام 2020 من باريس، وتوسعت بسرعة لتشمل أسواقًا في أوروبا وأمريكا الشمالية.

تتعاون “ري-إديشن” مع ورثة المصممين الأصليين أو المؤسسات التي تمتلك حقوق الملكية الفكرية، لإنتاج نسخ محدودة الإصدار من الأثاث والإضاءة وغيرها من عناصر التصميم. تهدف هذه المبادرة إلى الحفاظ على التراث التصميمي وتقديمه للأجيال القادمة، مع التركيز على الجودة والحرفية العالية. وتشير التقارير إلى أن الطلب على هذه المنتجات يزداد بشكل ملحوظ، خاصة بين الشباب.

إحياء التصميم القديم: استراتيجية “ري-إديشن”

تعتمد “ري-إديشن” على استراتيجية فريدة تركز على إعادة اكتشاف أعمال مصممين لم يحظوا بالتقدير الكافي في وقتهم. بدلاً من التركيز على الأسماء اللامعة مثل إييمز أو نورمان، تبحث الشركة عن المواهب المخفية التي تركت بصمة مميزة في عالم التصميم. وتشمل هذه الأسماء المصممة الفرنسية شارلوت بيراند، والمصمم الدنماركي بيل كريستنسن.

عملية إعادة الإنتاج

تولي “ري-إديشن” اهتمامًا بالغًا بتفاصيل عملية إعادة الإنتاج. يتم فحص الرسومات الأصلية والمستندات التاريخية بعناية لضمان الدقة والمطابقة. كما تتعاون الشركة مع حرفيين مهرة يستخدمون نفس التقنيات والمواد التي استخدمها المصممون الأصليون. يهدف هذا النهج إلى تقديم منتجات ليست مجرد نسخ طبق الأصل، بل هي تجسيد حقيقي لرؤية المصمم.

التسويق والجمهور المستهدف

تعتمد “ري-إديشن” على التسويق الرقمي ووسائل التواصل الاجتماعي للوصول إلى جمهورها المستهدف. تستعرض الشركة تاريخ المصممين وأعمالهم من خلال محتوى جذاب ومبتكر. كما تستهدف المهندسين المعماريين ومصممي الديكور الداخلي، الذين يعتبرون مؤثرين في هذا المجال. بالإضافة إلى ذلك، تستخدم الشركة المعارض والمناسبات المتخصصة لعرض منتجاتها.

ومع ذلك، فإن إعادة إنتاج الأثاث القديم لا يخلو من التحديات. قد يكون من الصعب العثور على المواد الأصلية أو الحفاظ على نفس مستوى الجودة. كما أن تكلفة الإنتاج قد تكون مرتفعة، مما يؤثر على سعر المنتج النهائي. تتغلب “ري-إديشن” على هذه التحديات من خلال البحث الدقيق والتعاون الوثيق مع الحرفيين والموردين.

بالإضافة إلى “ري-إديشن”، هناك شركات أخرى بدأت في تبني هذا النهج. تزايد الاهتمام بـ التصميم الكلاسيكي يعكس رغبة في الابتعاد عن الإنتاج الضخم والعودة إلى الجودة والحرفية. كما يعكس هذا الاتجاه وعيًا متزايدًا بأهمية الحفاظ على التراث الثقافي.

تشير دراسة حديثة أجرتها مجلة “Interior Design Today” إلى أن سوق الأثاث القديم يشهد نموًا سنويًا بنسبة 15٪. ويعزى هذا النمو إلى عدة عوامل، منها زيادة الدخل المتاح، وتزايد الوعي البيئي، والرغبة في التعبير عن الذات من خلال التصميم. وتشير المجلة أيضًا إلى أن المستهلكين يبحثون بشكل متزايد عن منتجات فريدة ومميزة، بعيدًا عن المنتجات النمطية.

في المقابل، يرى بعض النقاد أن إعادة إنتاج التصميم القديم قد يؤدي إلى فقدان الأصالة والإبداع. ويقولون إن التركيز على الماضي قد يعيق تطور التصميم ويمنع ظهور أفكار جديدة. لكن “ري-إديشن” تؤكد أن هدفها ليس استنساخ الماضي، بل إلهام الحاضر والمستقبل.

تعتبر هذه المبادرة جزءًا من اتجاه أوسع نحو إعادة تقييم التراث التصميمي. تستثمر المتاحف والمعارض الفنية بشكل متزايد في تنظيم معارض عن التصميم القديم. كما أن الجامعات والكليات تقدم برامج تعليمية متخصصة في تاريخ التصميم. يهدف هذا الاهتمام إلى تعزيز الوعي بأهمية التصميم ودوره في تشكيل حياتنا.

من المتوقع أن تعلن “ري-إديشن” عن شراكة جديدة مع متحف تصميم باريسي في الربع الأول من عام 2024، بهدف تنظيم معرض استعادي لأعمال أحد المصممين الذين أحييتهم الشركة. كما تخطط الشركة للتوسع في أسواق جديدة في آسيا وأمريكا الجنوبية. ومع ذلك، فإن نجاح هذه الخطط يعتمد على عدة عوامل، منها الاستقرار الاقتصادي والسياسي، وتغير أذواق المستهلكين، والمنافسة المتزايدة في السوق. من المهم مراقبة تطورات هذه الشركة وتأثيرها على صناعة التصميم بشكل عام.

شاركها.