عاد الحديث عن توقعات أداء مؤشر “ستاندرد آند بورز 500” في وول ستريت، حيث يسعى المحللون الاستراتيجيون إلى تقدير مستقبله بحلول نهاية العام المقبل. تشير التوقعات الحالية إلى ارتفاع بنسبة 11% تقريبًا خلال الأشهر الاثني عشر القادمة، لكن الاعتماد الكامل على هذه التقديرات في صياغة استراتيجيات الاستثمار قد يكون مضللاً، تمامًا كالتكهنات العشوائية. هذا ما يظهر في التقييم السنوي لأداء المحللين.
مع ارتفاع التقييمات، يجب على المستثمرين تجنب التفاؤل المفرط والاعتقاد بأن النجاح مضمون. من الجدير بالذكر أن المحللين لم يشهدوا عامًا سيئًا بشكل استثنائي. ففي الوقت نفسه من العام الماضي، توقعوا وصول مؤشر “ستاندرد آند بورز 500” إلى 6614 نقطة بحلول نهاية عام 2025، أي بزيادة قدرها 9%. ومن المتوقع حاليًا أن يتجاوز المؤشر هذا الرقم بنحو 3 نقاط مئوية، وهو هامش مقبول في السياق العام.
هل يهدد الذكاء الاصطناعي مكانة المحللين في وول ستريت؟
سبقًا، كانت توقعات الاستراتيجيين خاطئة بفارق كبير لثماني سنوات متتالية. وعلى الرغم من أن التوقعات قد تتحسن في السنة الثالثة من السوق الصاعدة، إلا أن التفسير الأكثر ترجيحًا هو أن الاستراتيجيين حظوا ببعض الحظ الجيد.
يكشف هذا التاريخ من التوقعات غير الدقيقة عن حقيقتين رئيسيتين حول هذه الممارسة في وول ستريت. أولاً، نطلب من المحللين الاستراتيجيين القيام بمهمة شبه مستحيلة. ففي سوق تتأثر بقوى عالمية غير متوقعة (مثل الحروب والنزاعات التجارية) وابتكارات جذرية (مثل الذكاء الاصطناعي والأدوية الجديدة)، من الصعب جدًا على أي شخص التنبؤ بدقة بمكان استقرار المؤشر بعد 12 شهرًا. يتطلب ذلك مهارة فائقة وحظًا كبيرًا للتنبؤ بمسار الأرباح خلال تلك الفترة، ولكن تقلبات معنويات السوق تزيد من التعقيد.
ثانيًا، أصبحت قمة السوق الحالية تعتمد بشكل كبير على عدد قليل من الشركات الكبرى، حيث تسيطر خمس شركات تقريبًا على نصف عوائد المؤشر. يتطلب بناء نموذج تنبؤي موثوق به افتراضات واضحة حول مسارات أرباح شركات مثل “إنفيديا” و”أبل” و”ألفابيت” و”مايكروسوفت” و”برودكوم”، وهو تحليل لا يقع ضمن نطاق اختصاص الاستراتيجيين على المستوى الكلي.
توقعات حذرة لعام 2026
ما الذي يمكن استخلاصه من الوضع الحالي لعام 2026؟ إنه عام يحمل في طياته نطاقًا واسعًا من النتائج المحتملة، ولا تغطي التوقعات الإيجابية التي يقدمها المحللون سوى جزء صغير من حالة عدم اليقين التي تسيطر على السوق. الفارق الذي يبلغ حوالي 16% بين التقديرات الدنيا (7000) والعليا (8100) في استطلاع بلومبرغ الرئيسي للخبراء الاستراتيجيين يبدو ضيقًا جدًا، ويعكس درجة عالية من التفاؤل.
هذا الفارق بين التقديرين الأدنى والأعلى هو الأضيق منذ عام 2018 على الأقل، ولا يشمل الاستطلاع بيتر بيريزين، كبير الاستراتيجيين العالميين في شركة “بي سي إيه ريسرتش”، والذي يُعد – على حد علمي – أكبر المتشائمين هذا العام.
يرى بيريزين أن “مضاعف شيلر” لسعر السهم إلى الأرباح لمؤشر “ستاندرد آند بورز 500” وصل إلى أعلى مستوى له منذ فقاعة الإنترنت، مدفوعًا بالحماس الكبير للذكاء الاصطناعي. ويتوقع أن “مراجعة واقعية للذكاء الاصطناعي” قد تؤدي إلى انهيار الأسهم، وبالتالي دفع الولايات المتحدة إلى الركود.
تأثير الذكاء الاصطناعي على الاقتصاد
لقد انتعش الاقتصاد بفضل الإنفاق الرأسمالي على الذكاء الاصطناعي، من جهة، و”تأثير الثروة” الناتج عن ازدهار سوق الأسهم، من جهة أخرى. ولكن ماذا لو بدأ الشك في سردية الذكاء الاصطناعي؟
بالإضافة إلى نقاط الضعف الكامنة في الاقتصاد، يشير بيريزين إلى أن تصدعات بدأت تظهر في سوق العمل، وأن البنية الاقتصادية برمتها قد تنهار إذا بدأ الفاعلون الاقتصاديون في التشكيك في سردية الذكاء الاصطناعي.
سيناريوهات التفاؤل والتشاؤم
في المقابل، يعتمد مسار السوق الصعودي على استمرار الأداء الجيد. فمؤشر “ستاندرد آند بورز 500” يسير بخطى ثابتة نحو نمو ربحية السهم بنسبة 12% هذا العام، ولن يتطلب الأمر سوى استمرار هذا الاتجاه لتحقيق المؤشر عوائد بنسب مئوية من خانتين في عام 2026 أيضًا.
وقد يؤدي التحفيز المالي الناتج عن قانون الضرائب الجمهوري إلى تسريع طفيف في النمو الاقتصادي العام المقبل، كما أن أرباح طفرة مراكز بيانات الذكاء الاصطناعي قد تساهم في زيادة النمو. تتوسع هذه التوقعات لتشمل قطاعات غير تقنية، مثل القطاعات الصناعية.
يرى جون ستولتزفوس، كبير استراتيجيي الاستثمار في شركة “أوبنهايمر أسيت مانجمنت”، أن هدف مؤشر “ستاندرد آند بورز 500” عند 8100 نقطة يعتمد على السياسة النقدية، والسياسة المالية، والتقدم المستمر في الابتكار، ونمو أرباح الشركات، وكلها عوامل داعمة لأسعار الأسهم.
على الرغم من أن ستولتزفوس كان متفائلاً بشكل صحيح خلال السنوات الثلاث الماضية، إلا أنه توقع سعرًا متفائلًا جدًا لعام 2022، وكان تفاؤله خاطئًا بنسبة 39% عندما انزلقت الأسهم إلى سوق هابطة.
بشكل عام، يخفي الإجماع المتفائل في وول ستريت توقعات مليئة بالمخاطر، والغفلة هي الخطر الأكبر. لهذا السبب، لا يمكن استبعاد أن يكون هذا العام عامًا استثنائيًا على غرار توقعات بيريزين.
في الختام، يظل مستقبل مؤشر “ستاندرد آند بورز 500” غير مؤكد. من المتوقع أن تشهد الأشهر القادمة المزيد من التوقعات والتحليلات، ولكن يجب على المستثمرين توخي الحذر والاعتماد على استراتيجيات استثمارية مدروسة. يجب مراقبة تطورات الاقتصاد العالمي، وأداء الشركات الكبرى، والابتكارات التكنولوجية، وخاصة في مجال الذكاء الاصطناعي، لتقييم المخاطر والفرص المحتملة.
