أقرّ مجلس الوزراء الياباني ميزانية قياسية للسنة المالية القادمة بقيمة 785 مليار دولار أمريكي، في خطوة تهدف إلى دعم النمو الاقتصادي مع الحفاظ على استدامة المالية العامة. يأتي هذا القرار في ظل تحديات اقتصادية متزايدة تشمل ارتفاع عوائد السندات الحكومية وتقلبات سعر صرف الين، مما يستدعي توازناً دقيقاً بين الإنفاق الحكومي والسيطرة على الديون.
تم الإعلان عن الميزانية الجديدة يوم الجمعة، ومن المقرر عرضها على البرلمان الياباني في بداية العام المقبل. تعتبر هذه الميزانية الأكبر من نوعها في تاريخ اليابان، حيث تسعى الحكومة بقيادة رئيسة الوزراء سناء تاكايتشي إلى معالجة القضايا الاقتصادية الملحة وتعزيز القدرة التنافسية للبلاد في ظل الظروف العالمية المتغيرة.
ميزانية قياسية مع التركيز على المالية العامة
تبلغ قيمة الميزانية المقترحة 122.3 تريليون ين ياباني، أي ما يعادل 784.63 مليار دولار أمريكي، بزيادة ملحوظة عن ميزانية العام الحالي البالغة 115.2 تريليون ين. تهدف هذه الزيادة إلى تمويل مجموعة متنوعة من البرامج والمشاريع التي تهدف إلى تحفيز النمو الاقتصادي، بما في ذلك الاستثمار في التكنولوجيا والابتكار، ودعم الشركات الصغيرة والمتوسطة، وتعزيز البنية التحتية.
السيطرة على الدين العام
على الرغم من الزيادة الكبيرة في الإنفاق، تلتزم الحكومة اليابانية بالحد من إصدار السندات الحكومية الجديدة. ومن المتوقع أن يرتفع إصدار السندات بشكل طفيف فقط من 28.6 تريليون ين إلى 29.6 تريليون ين، مما يقلل من الاعتماد على الدين إلى 24.2%، وهو أدنى مستوى منذ عام 1998. يعكس هذا التوجه حرص الحكومة على الحفاظ على الاستقرار المالي وتجنب تفاقم أزمة الديون.
تأتي هذه الخطوة في وقت يشهد فيه الاقتصاد الياباني ضغوطاً متزايدة بسبب ارتفاع أسعار الفائدة العالمية. وقد أدى خروج بنك اليابان عن سياسة النقدية شديدة التيسير إلى ارتفاع عوائد السندات الحكومية، مما يزيد من تكلفة خدمة الدين.
الإيرادات الضريبية وتكاليف خدمة الدين
من المتوقع أن ترتفع الإيرادات الضريبية بنسبة 7.6% إلى مستوى قياسي يبلغ 83.7 تريليون ين، مما سيساهم في تمويل جزء من الزيادة في الإنفاق الحكومي. ومع ذلك، لن تكون هذه الزيادة كافية لتعويض الارتفاع الكبير في تكاليف خدمة الدين، بالإضافة إلى الزيادة في الإنفاق على الرعاية الاجتماعية والدفاع.
تشير التقديرات إلى أن تكاليف خدمة الدين سترتفع بنسبة 10.8% إلى 31.3 تريليون ين، وذلك بافتراض سعر فائدة يبلغ 3.0%، وهو أعلى مستوى منذ 29 عاماً. هذا الارتفاع يعكس تأثير ارتفاع أسعار الفائدة العالمية على الديون الحكومية اليابانية.
تحديات اقتصادية إضافية
تواجه اليابان أيضاً تحديات أخرى، مثل ضعف الين الياباني مقابل الدولار الأمريكي، والذي يزيد من تكلفة الواردات ويؤثر على القدرة الشرائية للمستهلكين. بالإضافة إلى ذلك، يواجه الاقتصاد الياباني تحديات ديموغرافية، مثل شيخوخة السكان وانخفاض معدل المواليد، مما يضع ضغوطاً إضافية على نظام الرعاية الاجتماعية.
وفقاً لوزارة المالية اليابانية، فإن الميزانية الجديدة تهدف أيضاً إلى معالجة هذه التحديات من خلال الاستثمار في برامج لدعم رعاية الأطفال وكبار السن، وتشجيع مشاركة المرأة في سوق العمل، وتعزيز الإنتاجية.
آثار الميزانية وتوقعات مستقبلية
من المتوقع أن يكون لهذه الميزانية تأثير كبير على الاقتصاد الياباني في السنوات القادمة. يهدف الإنفاق الحكومي المتزايد إلى تحفيز الطلب المحلي وتعزيز النمو الاقتصادي، في حين أن التركيز على السيطرة على الديون يهدف إلى الحفاظ على الاستدامة المالية على المدى الطويل.
ومع ذلك، لا تزال هناك بعض المخاطر والتحديات التي قد تؤثر على فعالية الميزانية. على سبيل المثال، قد يؤدي ارتفاع أسعار الفائدة العالمية إلى زيادة تكلفة خدمة الدين وتقليل القدرة على تمويل البرامج الحكومية الأخرى. بالإضافة إلى ذلك، قد يؤدي تباطؤ النمو الاقتصادي العالمي إلى تقليل الطلب على الصادرات اليابانية.
الخطوة التالية هي أن يقوم البرلمان الياباني بمراجعة الميزانية والموافقة عليها. من المتوقع أن تبدأ المناقشات البرلمانية في بداية العام المقبل، ومن المقرر أن يتم التصويت على الميزانية في غضون بضعة أشهر. سيكون من المهم مراقبة التطورات السياسية والاقتصادية في اليابان لتقييم تأثير هذه الميزانية على المدى الطويل.
