حددت الصين اليوم سعر صرف اليوان مقابل الدولار عند مستوى أقل من المتوقع، في خطوة تشير إلى رغبة بكين في التحكم في وتيرة ارتفاع اليوان الصيني. يأتي هذا القرار بعد أن تجاوز اليوان حاجز 7 مقابل الدولار في السوق الخارجية، وهو مستوى نفسي هام لم يتم تجاوزه منذ سبتمبر 2024. يهدف هذا الإجراء إلى تحقيق توازن بين دعم العملة وتجنب التدفقات المضاربة لرأس المال.

أعلن بنك الشعب الصيني تحديد سعر الصرف المرجعي لليوان عند 7.0358 للدولار الواحد، وهو أضعف بنحو 301 نقطة من متوسط توقعات المحللين والمتداولين التي جمعتها وكالة بلومبرغ. يعتبر هذا الفارق هو الأكبر منذ بدء الوكالة في إجراء هذه الاستطلاعات في عام 2018، مما يؤكد قوة الإشارة التي ترسلها بكين إلى الأسواق.

تأثير سعر اليوان الصيني على التجارة العالمية

يأتي هذا التعديل في سعر الصرف في وقت تسعى فيه الصين إلى إدارة عملتها بعناية. فمن جهة، تسعى إلى تهدئة الشركاء التجاريين من خلال إظهار التزامها بمسار تصاعدي لليوان، ومن جهة أخرى، تحرص على أن يكون هذا الارتفاع تدريجياً لتجنب أي تأثيرات سلبية على الصادرات أو جذب رؤوس أموال ساخنة قد تؤدي إلى عدم الاستقرار.

أشار تشاو بنغ شينغ، كبير الاستراتيجيين في بنك أستراليا ونيوزيلندا، إلى أن السعر المرجعي الجديد يوضح أن بنك الشعب الصيني لا يرغب في رؤية ارتفاع سريع لقيمة اليوان. وأضاف أن هذا التوجه يتماشى مع التصريحات الأخيرة الصادرة عن اجتماعات السياسة النقدية، والتي أكدت على ضرورة منع التقلبات المفرطة في سعر الصرف.

على الرغم من أن السعر المرجعي الحالي أضعف من التوقعات، إلا أنه لا يزال أقوى من مستوى الإغلاق السابق. وفي السوق الخارجية، حافظ اليوان على استقراره عند مستوى 7.0024، بعد أن حقق مكاسب في الجلسات الأخيرة.

توقعات بنوك الاستثمار العالمية

في حين يتبع بنك الشعب الصيني نهجاً حذراً، تتوقع العديد من بنوك الاستثمار العالمية، بما في ذلك غولدمان ساكس وبنك أوف أمريكا، أن يعزز اليوان الصيني مكانته ويقترب من مستوى 6.9 للدولار الواحد بحلول عام 2026. تستند هذه التوقعات إلى عوامل مثل التحسن المستمر في الاقتصاد الصيني، وزيادة جاذبية الأصول الصينية للمستثمرين الأجانب، وتوجه الصين نحو إعادة التوازن الاقتصادي.

هناك أيضاً دعم متزايد داخل الصين لتعزيز قيمة العملة، حيث يرى العديد من الاقتصاديين المحليين والمسؤولين السابقين في البنك المركزي أن ذلك يمكن أن يساعد في تقليل الاعتماد على الصادرات وتعزيز الطلب المحلي. كما أن دعم اليوان يمكن أن يساهم في تهدئة التوترات التجارية مع بعض الدول.

تتوقع بعض المصادر أن التسويات الموسمية للعملات الأجنبية قد توفر دعماً إضافياً لليوان في الأشهر الأولى من عام 2026. ومع ذلك، تشير تحليلات من بنك تشاينا مينشنغ إلى أنه مع استمرار بنك الشعب الصيني في ضبط السعر المرجعي للحد من المكاسب الحادة، وتباطؤ وتيرة هبوط الدولار، قد يكون من الصعب على اليوان الصيني أن ينخفض إلى ما دون 6.9 مقابل الدولار في المدى القصير.

إجراءات إضافية للحد من المضاربات على اليوان

بالإضافة إلى تحديد سعر الصرف المرجعي، قد يلجأ بنك الشعب الصيني إلى إجراءات أخرى للحد من المضاربات على اليوان الصيني، مثل تدخل البنوك الحكومية في السوق لشراء أو بيع الدولار. تهدف هذه الإجراءات إلى الحفاظ على استقرار سعر الصرف ومنع أي تحركات أحادية الجانب.

تعتبر إدارة سعر الصرف جزءاً مهماً من استراتيجية الصين الاقتصادية الأوسع نطاقاً. فمن خلال التحكم في قيمة اليوان، تسعى بكين إلى تحقيق أهداف متعددة، بما في ذلك دعم الصادرات، وجذب الاستثمار الأجنبي، والحفاظ على الاستقرار المالي.

تتزايد أهمية سعر الصرف في سياق التغيرات الاقتصادية والجيوسياسية العالمية. فمع استمرار التوترات التجارية بين الصين والولايات المتحدة، ومع تزايد المخاوف بشأن التضخم العالمي، فإن إدارة سعر الصرف تصبح أكثر تعقيداً وتحدياً.

في الختام، من المتوقع أن يستمر بنك الشعب الصيني في مراقبة أسعار الصرف عن كثب واتخاذ الإجراءات اللازمة للحفاظ على استقرار اليوان. سيكون من المهم متابعة التطورات في السياسة النقدية الصينية، وكذلك البيانات الاقتصادية الصادرة عن الصين والولايات المتحدة، لتقييم المسار المستقبلي لليوان. من المرجح أن يظل سعر الصرف موضوعاً رئيسياً للمناقشة في الأشهر والسنوات القادمة، نظراً لأهميته الكبيرة للاقتصاد العالمي.

شاركها.