يسعى رئيس الوزراء الفرنسي سيباستيان لوكورنو إلى إقرار قانون موازنة مؤقت لتجنب شلل مالي للحكومة مع بداية العام الجديد. يأتي هذا الإجراء بعد فشل البرلمان في التوصل إلى اتفاق نهائي بشأن موازنة 2026، مما أثار مخاوف بشأن الاستقرار المالي لفرنسا. ومن المتوقع أن يتم التصويت على هذا القانون في مجلس النواب يوم الثلاثاء، بهدف منح الحكومة مزيدًا من الوقت لإكمال مناقشات الموازنة.
أجرى لوكورنو مشاورات مع قادة الأحزاب السياسية الفرنسية، باستثناء اليمين المتطرف واليسار الراديكالي، حول هذا التشريع الطارئ. يسمح هذا القانون باستمرار الإنفاق العام وتحصيل الضرائب والاقتراض الحكومي خلال الفترة من يناير إلى يونيو 2026، في حالة عدم وجود موازنة معتمدة. ويهدف هذا الإجراء إلى الحفاظ على سير العمل الحكومي وتجنب أي تعطيل للخدمات العامة.
تحديات تواجه إقرار موازنة 2026
يأتي هذا الجهد في وقت تواجه فيه المالية العامة الفرنسية تدقيقًا متزايدًا من المستثمرين ووكالات التصنيف الائتماني. تسجل فرنسا حاليًا أعلى عجز في الموازنة داخل منطقة اليورو، مما يزيد من الضغوط على الحكومة لتقديم خطة مالية مقنعة. كما أن حالة عدم اليقين السياسي المستمرة تزيد من تعقيد الوضع.
وفشل يوم الجمعة الماضي، اللجنة المشتركة من مجلسي البرلمان في التوصل إلى صيغة نهائية لمشروع الموازنة، مما دفع الحكومة إلى البحث عن حلول مؤقتة. وتشير التقارير إلى أن الخلافات الرئيسية تتعلق بتحديد أولويات الإنفاق الحكومي، وخاصة في مجالات مثل الدفاع والخدمات الاجتماعية.
الخيارات المطروحة والقيود السياسية
صرح النائب المحافظ فيليب جوفين، الذي يقود مناقشات الموازنة في الجمعية الوطنية، بتوقعه إقرار الموازنة الكاملة في مطلع يناير. واقترح أن يلجأ لوكورنو إلى صلاحيات دستورية استثنائية لفرض صيغة توافقية، على أمل الحصول على دعم الاشتراكيين. ومع ذلك، تعهد رئيس الوزراء بعدم استخدام هذه الصلاحيات، خوفًا من تصعيد سياسي.
قد يؤدي استخدام الصلاحيات الدستورية الاستثنائية إلى تقديم اليمين المتطرف أو اليسار الراديكالي طلب حجب الثقة، على الرغم من أن نجاح هذا الطلب يبدو غير مرجح بدون دعم الاشتراكيين. تعمل حكومة لوكورنو، وهي حكومة أقلية، في ظل برلمان شديد الانقسام، وهو ما يعكس تداعيات الانتخابات المبكرة التي خسر فيها الرئيس إيمانويل ماكرون أغلبيته البرلمانية في عام 2024.
منذ ذلك الحين، أسقطت الخلافات حول الموازنة ثلاث حكومات متعاقبة، مما يدل على هشاشة المشهد السياسي الفرنسي. وتشير البيانات إلى أن فرنسا سبق لها أن استخدمت تشريعًا مماثلًا في العام الماضي، واستمرت في الإنفاق بموجب قانون مؤقت حتى إقرار موازنة 2025 في فبراير. وقدرت الحكومة أن هذا الإجراء كلف الخزانة حوالي 12 مليار يورو.
الوضع المالي العام لفرنسا
تعتبر السياسة المالية الفرنسية حاليًا تحت المجهر، حيث يراقب المستثمرون عن كثب قدرة الحكومة على السيطرة على عجز الموازنة. تعتبر الديون الحكومية أيضًا مصدر قلق، خاصة في ظل ارتفاع أسعار الفائدة العالمية. وبحسب وزارة المالية، فإن تحقيق التوازن المالي يتطلب إجراءات تقشفية كبيرة، وهو ما يواجه مقاومة سياسية قوية.
الإنفاق العام هو نقطة خلاف رئيسية بين الأحزاب السياسية المختلفة. يطالب اليمين المتطرف بتخفيضات كبيرة في الإنفاق، بينما يفضل اليسار الراديكالي زيادة الاستثمار في الخدمات الاجتماعية. تحاول حكومة لوكورنو إيجاد حل وسط يرضي جميع الأطراف، لكن هذا الأمر يثبت أنه صعب للغاية.
بالإضافة إلى ذلك، فإن الوضع الاقتصادي العالمي غير المؤكد يضيف المزيد من الضغوط على المالية العامة الفرنسية. تتوقع العديد من المؤسسات الاقتصادية تباطؤ النمو الاقتصادي في منطقة اليورو، مما قد يؤدي إلى انخفاض الإيرادات الضريبية وزيادة الحاجة إلى الإنفاق الحكومي.
الخطوة التالية المتوقعة هي التصويت على القانون المؤقت في مجلس النواب يوم الثلاثاء. بعد ذلك، ستواصل الحكومة المفاوضات مع الأحزاب السياسية المختلفة بهدف التوصل إلى اتفاق نهائي بشأن موازنة 2026. يبقى من غير الواضح ما إذا كانت ستنجح في ذلك، وما إذا كانت ستضطر إلى اللجوء إلى صلاحيات دستورية استثنائية. يجب مراقبة تطورات هذه المفاوضات عن كثب، حيث أنها ستحدد المسار المالي لفرنسا في السنوات القادمة.
