في الأوساط الاقتصادية، يزداد القلق بشأن استمرار ضعف قيمة اليوان الصيني، حيث بات يُنظر إليه على أنه يشكل عائقاً أمام تحقيق النمو الاقتصادي المستدام في البلاد. يرى اقتصاديون صينيون ومسؤولون سابقون في البنك المركزي أن تعزيز قيمة العملة أصبح ضرورة ملحة لإعادة هيكلة الاقتصاد وتقليل الاعتماد على الصادرات، وتحفيز الاستهلاك الداخلي، وتخفيف التوترات التجارية المتصاعدة.
هذه المناقشات العلنية حول إدارة سعر الصرف، وهي قضية حساسة في الصين، تشير إلى تحول محتمل في السياسة الاقتصادية. وتأتي في ظل تلميحات من صناع القرار بضرورة إيجاد توازن جديد في الاقتصاد الصيني، مع التركيز بشكل أكبر على الطلب المحلي وتقليل الفوائض التجارية.
الوضع الحالي لليوان وتأثيره على الاقتصاد
فقد اليوان الصيني حوالي 13% من قيمته أمام الدولار الأمريكي خلال السنوات الثلاث الماضية، وذلك بسبب عوامل متعددة تشمل تباطؤ قطاع العقارات، وتزايد المنافسة التجارية مع الولايات المتحدة، وتراجع الاستثمارات الأجنبية. على الرغم من تسجيل العملة بعض المكاسب هذا العام، إلا أنها لا تزال متخلفة عن معظم العملات الرئيسية، حيث انخفضت بنسبة 9% مقابل اليورو.
يشير خبراء اقتصاديون إلى أن بنك الشعب الصيني (البنك المركزي) قد تدخل في السوق للحد من ارتفاع قيمة اليوان، وذلك من خلال تحديد سعر صرف مرجعي أضعف من التوقعات، وشراء الدولارات من خلال البنوك المملوكة للدولة. ويأتي هذا في إطار التزام الحكومة بالحفاظ على استقرار العملة عند مستوى “معقول”، كما صرح مسؤولون في البنك المركزي.
الصادرات الصينية والفوائض التجارية
على الرغم من التحديات الاقتصادية، شهدت الصادرات الصينية نمواً ملحوظاً هذا العام، مما ساهم في دعم الاقتصاد. وقد سجلت البلاد فائضاً تجارياً في السلع بلغ تريليون دولار خلال الأشهر الـ 11 الأولى من العام، وهو ما يعكس قوة قطاع التصدير وضعف الطلب المحلي.
يعتقد البعض أن ارتفاع قيمة اليوان يمكن أن يساعد في معالجة هذا الاختلال، من خلال زيادة القدرة الشرائية للمستهلكين الصينيين وتشجيعهم على الإنفاق. كما يمكن أن يساهم في تقليل الفوائض التجارية وتحسين العلاقات التجارية مع الدول الأخرى.
دعوات لتعزيز قيمة اليوان
تزايدت الدعوات لتعزيز قيمة اليوان من قبل اقتصاديين صينيين بارزين. فقد أكد ليو شيجين، العضو السابق في لجنة السياسة النقدية لدى بنك الشعب الصيني، على ضرورة تعديل استراتيجية التجارة الخارجية للبلاد خلال السنوات الخمس المقبلة، وتحقيق توازن بين الواردات والصادرات. ويرى أن ارتفاعاً “معقولاً” في قيمة العملة يمكن أن يعزز القوة الشرائية ويحفز الاستهلاك، بالإضافة إلى توسيع نطاق استخدام اليوان في التجارة الدولية.
كما سلط شنغ سونغتشنغ، المدير السابق لإدارة الإحصاءات والتحليل في بنك الشعب الصيني، الضوء على الفجوة في قيمة اليوان استناداً إلى نظرية تعادل القوة الشرائية. ويشير إلى أن قيمة العملة قد تكون أعلى بكثير مما هي عليه حالياً، مما يعني وجود مجال كبير لارتفاعها.
مقترحات لارتفاع اليوان
تتراوح المقترحات بشأن حجم الارتفاع المناسب لـ اليوان. فقد اقترح الرئيس التنفيذي لشركة PAG، ويجيان شان، أن مكاسب بنسبة 50% على مدى خمس سنوات يمكن أن تسرع التحول نحو التنمية عالية الجودة وتجذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية. بينما يرى عميد كلية الاقتصاد في جامعة فودان، تشانغ جون، أن ارتفاعاً بنسبة 10-30% قد يكون كافياً لتقليص الفائض التجاري وتعزيز القطاعات غير التجارية.
في المقابل، يرى بعض المحللين أن ارتفاع قيمة اليوان قد لا يكون حلاً جذرياً للمشاكل الاقتصادية التي تواجه الصين، وأن المشكلة الحقيقية تكمن في تراجع الأسعار محلياً، مما يسمح للشركات الصينية بمنافسة الشركات الأجنبية بأسعار أقل.
التحديات والمخاطر المحتملة
يشير خبراء اقتصاديون إلى أن ارتفاعاً سريعاً في قيمة اليوان قد يؤدي إلى تقويض القدرة التنافسية للصادرات الصينية، وزيادة الضغوط على الشركات المحلية. كما قد يؤدي إلى تفاقم المشاكل في قطاع العقارات، وتراجع الاستثمارات الأجنبية.
بالإضافة إلى ذلك، يرى البعض أن ارتفاع قيمة اليوان قد يُنظر إليه على أنه سلاح سياسي، مما قد يؤدي إلى مزيد من التوترات التجارية مع الدول الأخرى.
نظرة مستقبلية
من المتوقع أن يستمر النقاش حول مستقبل اليوان في الصين، مع تزايد الضغوط على صناع القرار لاتخاذ قرار بشأن ما إذا كانوا سيسمحون بارتفاع أكبر في قيمة العملة. تشير التوقعات إلى أن بنك غولدمان ساكس يرى أن اليوان “مقوم بأقل من قيمته بشكل كبير”، مما يعزز التوقعات بارتفاع محتمل.
ومع ذلك، من المرجح أن يكون أي ارتفاع في قيمة اليوان تدريجياً ومحسوباً، وذلك لتجنب أي صدمات اقتصادية أو سياسية. سيكون من المهم مراقبة تطورات سوق العقارات، ومستوى الاستهلاك المحلي، والتوترات التجارية، لتقييم المسار المستقبلي للعملة الصينية.
