تشهد أسعار النفط انخفاضاً ملحوظاً في الأسابيع الأخيرة، مع تزايد المخاوف من فائض محتمل في المعروض العالمي. يأتي هذا الانخفاض في وقت يترقب فيه السوق تقارير الإنتاج من كبار المنتجين، وتوقعات النمو الاقتصادي العالمي التي قد تؤثر على الطلب. وتتجه النظرات نحو قرارات “أوبك+” وتطورات الإنتاج في الولايات المتحدة وروسيا لتحديد مسار الأسعار في الفترة القادمة.

تتوقع وكالة الطاقة الدولية أن يتجاوز المعروض العالمي من النفط الطلب بمقدار 2.4 مليون برميل يومياً هذا العام، وأن يرتفع هذا الفارق إلى مستوى قياسي يبلغ 4 ملايين برميل يومياً في العام المقبل. هذا التوقع يضع ضغوطاً على المنتجين، ويُثير تساؤلات حول تأثير ذلك على الاقتصادات التي تعتمد بشكل كبير على عائدات النفط.

أسباب تراجع أسعار النفط

يعزى هذا الفائض المتوقع في المعروض إلى عدة عوامل متداخلة. أولاً، يشهد النمو في الطلب على النفط تباطؤاً ملحوظاً، خاصةً في ظل التحديات الاقتصادية التي تواجه بعض الدول الكبرى. وتُشير التقارير إلى أن السياسات التجارية العالمية والظروف الاقتصادية في الصين، ثاني أكبر مستهلك للنفط، تلعب دوراً في هذا التباطؤ.

ثانياً، بدأت منظمة “أوبك+” في تخفيف قيود الإنتاج التي كانت مفروضة في السابق. بالإضافة إلى ذلك، تزيد الدول المنتجة خارج المنظمة، وخاصةً في الأمريكتين، من حجم إنتاجها. هذا الارتفاع في المعروض يساهم في زيادة الضغط على الأسعار.

أما بالنسبة لروسيا، فهي تمثل عاملاً غير مؤكد في المعادلة. ففي حين أن العقوبات الأمريكية قد تؤثر على صادراتها، فإن أي تطورات نحو حل الأزمة في أوكرانيا قد تؤدي إلى تخفيف هذه العقوبات، وبالتالي زيادة تدفق النفط الروسي إلى الأسواق العالمية. صرح وزير الطاقة السعودي مؤخراً أن قرار “أوبك+” يهدف إلى مكافأة المستثمرين الذين يثقون في نمو الطلب العالمي.

من يستفيد من انخفاض الأسعار؟

تستفيد الدول المستوردة للنفط بشكل كبير من انخفاض الأسعار، حيث يقلل ذلك من تكلفة استيراد الطاقة. وتستطيع هذه الدول تعزيز احتياطياتها الاستراتيجية من النفط، كما هو الحال بالنسبة للهند التي واجهت ضغوطاً لتقليل وارداتها من النفط الروسي.

الهند، باعتبارها ثالث أكبر مستهلك للنفط في العالم، زادت مشترياتها من روسيا بعد الغزو الأوكراني، مستفيدةً من الخصومات الكبيرة التي قدمها المصدرون الروس. قد يساعد انخفاض الأسعار العالمية الهند في تنويع مصادرها النفطية، والتحول نحو مزيج من النفط الروسي والنفط القادم من الشرق الأوسط.

بالإضافة إلى ذلك، قد يستفيد الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترمب من انخفاض أسعار النفط، حيث يعتبره مؤشراً إيجابياً للاقتصاد. وقد تعهد ترمب بخفض أسعار البنزين إلى مستويات قياسية خلال فترة ولايته.

كما تستفيد مصافي النفط من انخفاض أسعار النفط الخام، حيث يتيح لها ذلك تحسين هوامش الربح. ووصلت هوامش أرباح مصافي النفط الأمريكية إلى أعلى مستوياتها الموسمية منذ عام 2022 في منتصف نوفمبر، وفقاً لتقارير الصناعة.

أخيراً، يمكن أن تستفيد الولايات المتحدة من انخفاض أسعار النفط من خلال تجديد مخزونها الاستراتيجي، الذي انخفض إلى مستويات منخفضة بعد استخدامه لمواجهة ارتفاع الأسعار عقب الغزو الروسي لأوكرانيا.

من المتضررون من انخفاض الأسعار؟

في المقابل، تواجه الدول النفطية تحديات كبيرة نتيجة لانخفاض أسعار النفط. تعتمد هذه الدول بشكل كبير على عائدات النفط في تمويل ميزانياتها، وقد يؤدي انخفاض الأسعار إلى عجز في الميزانية وتقليص الإنفاق الحكومي.

السعودية، على سبيل المثال، تسعى إلى تنويع اقتصادها من خلال رؤية 2030، لكنها ما تزال تعتمد بشكل كبير على عائدات النفط لتمويل مشاريعها الضخمة. وتشير التقديرات إلى أن الحكومة السعودية تحتاج إلى سعر نفط يبلغ 98 دولاراً للبرميل لتحقيق التوازن في ميزانيتها.

روسيا أيضاً ستتأثر سلباً بانخفاض الأسعار، خاصةً في ظل العقوبات الغربية التي تحد من قدرتها على تصدير النفط. وقد تضطر روسيا إلى تقديم خصومات أكبر على نفطها لجذب المشترين، مما سيؤدي إلى مزيد من الضغط على إيراداتها.

صناعة النفط الصخري الأمريكية قد تواجه أيضاً صعوبات، حيث يحتاج العديد من المنتجين إلى سعر نفط يبلغ حوالي 65 دولاراً للبرميل لتحقيق أرباح. وقد يؤدي استمرار انخفاض الأسعار إلى إيقاف بعض عمليات الحفر وتقليل الإنتاج.

أما شركات النفط الكبرى، فقد تشهد انخفاضاً في أرباحها، على الرغم من أنها قد تكون أقل عرضة للتأثر بسبب تنوع أعمالها. ومع ذلك، قد يؤدي انخفاض الأسعار إلى تقليص الاستثمارات في مشاريع جديدة.

التحول نحو مصادر الطاقة المتجددة قد يتأثر أيضاً بانخفاض أسعار النفط، حيث قد يقلل ذلك من الحوافز الاقتصادية للاستثمار في هذه المصادر. ومع ذلك، من غير المرجح أن يتوقف هذا التحول بشكل كامل، خاصةً في ظل التزامات العديد من الدول بخفض انبعاثات الكربون.

من المتوقع أن تستمر أسعار النفط في التقلب في الفترة القادمة، مع مراقبة تطورات العرض والطلب، والتوترات الجيوسياسية، والسياسات الاقتصادية للدول الكبرى. يجب على المستثمرين والمستهلكين متابعة هذه التطورات عن كثب، والاستعداد للتغيرات المحتملة في السوق.

شاركها.