توصل صندوق النقد الدولي إلى اتفاق على مستوى الخبراء مع الحكومة المصرية بشأن مراجعات برنامج الإصلاح الاقتصادي، مما يعزز آفاق الاستقرار المالي والنمو. يشمل الاتفاق المراجعتين الخامسة والسادسة لبرنامج التسهيل الممدد، بالإضافة إلى المراجعة الأولى ضمن برنامج الصلابة والاستدامة، بحسب ما أعلن الصندوق مؤخرًا. ويأتي هذا التطور في وقت حاسم للاقتصاد المصري، الذي يسعى إلى تعزيز قدرته على مواجهة التحديات الداخلية والخارجية.

أكدت رئيسة بعثة صندوق النقد الدولي إلى مصر، فلادكوفا هولار، أن جهود الاستقرار الاقتصادي تبدي نتائج إيجابية، وأن الاقتصاد المصري يشهد نموًا ملحوظًا على الرغم من الظروف الإقليمية والعالمية المضطربة. تشير التقديرات إلى أن النمو الاقتصادي قد وصل إلى 4.4% في السنة المالية 2024/2025، مقارنة بنسبة 2.4% في العام السابق، مما يعكس تحسنًا كبيرًا في الأداء العام.

تحسن ميزان المدفوعات والاقتصاد المصري

شهد ميزان المدفوعات تحسنًا ملحوظًا، مدفوعًا باستمرار تدفق تحويلات العاملين في الخارج وإيرادات السياحة القوية. بالإضافة إلى ذلك، سجلت الصادرات غير النفطية نموًا ملحوظًا، مما ساهم في تقليل عجز الحساب الجاري. هذا التحسن في ميزان المدفوعات يعزز من قدرة مصر على الوفاء بالتزاماتها الخارجية.

وارتفعت أرصدة استثمارات غير المقيمين في أدوات الدين المقومة بالعملة المحلية إلى حوالي 30 مليار دولار، بينما وصلت الاحتياطيات من النقد الأجنبي إلى 56.9 مليار دولار. هذه المؤشرات تعكس ثقة المستثمرين في الاقتصاد المصري وقدرته على جذب الاستثمارات الأجنبية.

الأداء المالي القوي

حافظ الأداء المالي على قوته، حيث حقق فائض في الرصيد الأولي بلغ 3.5% من الناتج المحلي الإجمالي في السنة المالية 2024/2025. يعزى هذا الفائض إلى النمو القوي في الإيرادات الضريبية، التي ارتفعت بنسب ملحوظة، مدعومة بإصلاحات تهدف إلى توسيع القاعدة الضريبية وتحسين الالتزام الطوعي وتبسيط الإعفاءات. ومع ذلك، لا تزال نسبة الإيرادات الضريبية إلى الناتج المحلي الإجمالي متواضعة مقارنة بالمعايير الدولية، مما يستدعي مواصلة الجهود لزيادة الحصيلة الضريبية وخفض الدين العام.

سياسة نقدية حذرة وإصلاحات مصرفية مستمرة

التزم البنك المركزي المصري بسياسة نقدية مشددة، مع اتباع نهج حذر وتدريجي في تخفيف السياسة النقدية بهدف دعم مسار تراجع التضخم. يؤكد الصندوق على أهمية استمرار هذا النهج الحذر، خاصةً في ظل استمرار ضغوط التضخم، حيث ارتفع معدل التضخم السنوي في المدن بشكل طفيف في نوفمبر، بعد أن سجل أدنى مستوى له خلال 40 شهرًا في سبتمبر.

ويشير هذا الارتفاع الطفيف إلى أن تأثير السياسات المالية والنقدية المشددة، والقضاء على نقص العملات الأجنبية، وتلاشي آثار خفض سعر الصرف السابق لا يزال قيد التقييم. يؤكد الصندوق على ضرورة مراقبة التطورات عن كثب واتخاذ الإجراءات اللازمة للحفاظ على استقرار الأسعار.

بالإضافة إلى ذلك، أكد الصندوق على أهمية استمرار ممارسات حوكمة قوية في البنوك المملوكة للدولة، وتعزيز انتقال السياسة النقدية عبر آليات السوق، ودعم المنافسة في القطاع المصرفي. ويجري البنك المركزي المصري حاليًا مراجعات من قبل طرف ثالث لضمان الالتزام بأفضل الممارسات في هذا المجال.

دور القطاع الخاص والإصلاحات الهيكلية

شدد صندوق النقد الدولي على ضرورة تسريع الإصلاحات الهيكلية التي تتيح للقطاع الخاص مساحة أكبر للنمو، والانتقال إلى نموذج نمو أكثر استدامة. تتضمن هذه الإصلاحات تقليص دور الدولة في الاقتصاد، والمضي قدمًا في برنامج التخارج، وتحقيق تكافؤ الفرص، وتجنب إنشاء أو توسيع أنشطة الكيانات الاقتصادية المملوكة للدولة.

أشاد الصندوق بخطوات تحسين بيئة الأعمال، خاصة في مجالي تيسير التجارة وتبسيط الإجراءات الضريبية، حيث أقر ممثلو القطاع الخاص بالنتائج المحققة. ومع ذلك، لا يزال هناك الكثير الذي يتعين القيام به لتعزيز دور القطاع الخاص في الاقتصاد المصري.

تلتزم الحكومة المصرية بزيادة مخصصات برنامج التحويلات النقدية المشروطة “تكافل وكرامة” وبرامج الحماية الاجتماعية الأخرى التي تستهدف تنمية رأس المال البشري. واقترح الصندوق النظر في زيادة المخصصات الموجهة لهذه المجالات نظرًا لأهميتها في تحقيق التنمية المستدامة.

من المتوقع أن يقر مجلس الوزراء في يناير 2026 حزمة إصلاحات ضريبية داعمة للنمو، تهدف إلى زيادة الحصيلة الضريبية بنحو 1% من الناتج المحلي الإجمالي في العام المالي المقبل. تأتي هذه الإصلاحات في إطار جهود الحكومة لتعزيز الاستقرار المالي وتحقيق النمو الاقتصادي المستدام.

تستمر الإصلاحات المرتبطة ببرنامج الصلابة والاستدامة وفقًا للمسار الصحيح، حيث نفذت السلطات بالفعل إجراءين رئيسيين يتعلقان بالتخفيف من آثار التغير المناخي والتمويل المناخي. ويجري العمل حاليًا لاستكمال بقية الإصلاحات في هذا المجال.

الخطوة التالية هي استكمال المراجعات المتبقية، ومواصلة تنفيذ الإصلاحات الهيكلية، ومراقبة التطورات الاقتصادية عن كثب. من المهم أيضًا مراقبة تأثير السياسات النقدية والمالية على التضخم والنمو الاقتصادي، وتقييم مدى التزام الحكومة بأهداف برنامج الإصلاح الاقتصادي.

شاركها.