تستثمر تطبيقات المواعدة ملايين الدولارات في الذكاء الاصطناعي، في محاولة لتحسين التوفيق بين المستخدمين وتجاوز “إرهاق التمرير السريع” الذي يعاني منه الكثيرون. بعد أن وعدت هذه التطبيقات في الأصل بمطابقة أي شخص مع آخر، تتجه الآن نحو هدف أكثر تحديدًا: إيجاد “الشريك المثالي”.
تسعى الشركات الكبرى في مجال المواعدة، مثل مجموعة ماتش (Match Group) التي تضم تطبيقات Hinge و Tinder، بالإضافة إلى Grindr و Bumble، إلى التفوق على بعضها البعض والشركات الناشئة الجديدة التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي في لعبة المواعدة النهائية. وعلى الرغم من أن الذكاء الاصطناعي وتعلم الآلة قد تم استخدامهما في خوارزميات تطبيقات المواعدة لسنوات، إلا أن ميزات الذكاء الاصطناعي التوليدية تتجاوز ذلك.
الذكاء الاصطناعي وتطبيقات المواعدة: تحول في المنصة
تعتبر الشركات أن هذه التطورات ستؤدي إلى نتائج ذات مغزى: تطابق أفضل، وتقليل الحاجة إلى التمرير السريع. ووصف جورج أريسون، الرئيس التنفيذي لـ Grindr، الأمر بأنه “سحري” خلال مكالمة أرباح حديثة. أما سبنسر راسكوف، الرئيس التنفيذي لمجموعة ماتش، فقد صرح خلال فعالية أسبوع التكنولوجيا في لوس أنجلوس في أكتوبر أن الذكاء الاصطناعي “يغير كل شيء” في تطبيقات المواعدة التابعة للشركة.
يأتي هذا التوجه في وقت مناسب، حيث تواجه الشركات الكبرى صعوبات في الحفاظ على المستخدمين وتحويلهم إلى عملاء يدفعون مقابل الميزات المتميزة. يشير المحللون إلى أن المستخدمين يعانون من “إرهاق التمرير السريع” ويترددون في دفع رسوم اشتراك.
أسهم مجموعة ماتش انخفضت بأكثر من 75٪ خلال السنوات الخمس الماضية. وفي الشهر الماضي، أعلنت الشركة عن نتائج فصلية لم تحقق تقديرات وول ستريت للإيرادات والأرباح. كما انخفض عدد المستخدمين الذين يدفعون مقابل الخدمات بنسبة 5٪ في الربع الأخير مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي.
بينما انخفض سعر سهم Bumble بأكثر من 50٪ هذا العام وحده. وقامت الشركة بتسريح 30٪ من موظفيها خلال الصيف، وانخفض عدد المستخدمين الذين يدفعون مقابل الخدمات بنسبة 18٪ في الربع الأخير مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي.
تحديات النمو والبحث عن حلول
يعتقد محللو Morgan Stanley أن المشكلة تكمن في أن المنتج لا يعمل كما هو متوقع. ويقول ناثان فيذر إن الشركات تبحث عن طرق جديدة لإعادة إثارة حماس المستخدمين. وقد أدى ذلك إلى ظهور عدد من الشركات الناشئة التي تسعى إلى الاستفادة من هذه الفرصة، حيث جمعت بعضها ملايين الدولارات في السنوات القليلة الماضية. حتى أن مؤسس Hinge، جاستن ماكلويد، استقال من منصبه كرئيس تنفيذي لتأسيس منصة مواعدة جديدة تعتمد على الذكاء الاصطناعي.
تعتمد الشركات الكبرى على الذكاء الاصطناعي لتحسين خوارزميات التوفيق بين المستخدمين. تعمل Hinge على تحسين خوارزمياتها، بينما تخطط Bumble لإطلاق منتج يعتمد على الذكاء الاصطناعي في العام المقبل. كما تستخدم الشركات الذكاء الاصطناعي لإنشاء ملفات تعريف المستخدمين، والمساعدة في بدء المحادثات، وتحسين الأمان.
يطور تطبيق Tinder ميزة “Chemistry” التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي لتقديم “مجموعة يومية” من التطابقات المثالية بناءً على صور المستخدمين وإجاباتهم على سلسلة من الأسئلة. تهدف هذه الميزة إلى التركيز على القيم المشتركة بدلاً من المظهر الخارجي، وتقليل الحاجة إلى التمرير السريع.
تؤكد هيلاري باين، نائبة رئيس قسم المنتج في Tinder، أن التوفيق بين المستخدمين باستخدام الذكاء الاصطناعي هو وسيلة للبقاء في المنافسة في عصر الاهتمام المحدود. وتقول إن الذكاء الاصطناعي يدفع كل تطبيق للمستهلك نحو التخصيص، وأن تسهيل الوصول إلى الشرارة والاتصال والمحادثة واللقاء هو تجربة أفضل للمستخدم.
الذكاء الاصطناعي في Grindr: محاولة لتغيير الصورة
حتى Grindr، الذي يُنظر إليه تقليديًا على أنه منصة للعلاقات العابرة، يحاول الاستفادة من الذكاء الاصطناعي. أضافت Grindr ميزة توصية تعتمد على الذكاء الاصطناعي، بما في ذلك صفحة “For You” التي تعرض ملفات تعريف المستخدمين الذين قد يكونون متوافقين، و “A-List” التي تقدم توصيات بناءً على المستخدمين الذين تفاعل معهم المستخدم بالفعل.
ومع ذلك، لا يزال من غير الواضح ما إذا كانت هذه الميزات ستنجح. وقد أعرب بعض المستخدمين عن عدم رضاهم عن التوصيات التي تقدمها Grindr، مشيرين إلى أنها لا تتوافق مع تفضيلاتهم. ومع ذلك، لا تزال هذه الميزات جديدة وقد تتحسن بمرور الوقت.
الشركات الناشئة تتنافس على حصة في السوق
بالإضافة إلى الشركات الكبرى، هناك عدد من الشركات الناشئة التي تسعى إلى الاستفادة من الإمكانات الهائلة للذكاء الاصطناعي في مجال المواعدة. تعتمد هذه الشركات على الذكاء الاصطناعي لتقديم تجربة مواعدة أكثر تخصيصًا وفعالية. على سبيل المثال، تطبيق Sitch يتقاضى المستخدمين 90 دولارًا مقابل ثلاثة تطابقات، ويعتمد على الذكاء الاصطناعي المدرب على خبرة المؤسس المشارك نانديني مولاجي كمطابقة شخصية.
كما أن هناك شركات أخرى مثل Known و Ditto و Amata تطلق تطبيقات مواعدة تعتمد على الذكاء الاصطناعي. حتى Facebook دخلت المنافسة بإطلاق مساعد مواعدة يعتمد على الذكاء الاصطناعي.
ومع ذلك، تواجه الشركات الناشئة تحديًا كبيرًا يتمثل في الوصول إلى كتلة حرجة من المستخدمين. وتتمتع الشركات الكبرى بميزة كبيرة في هذا الصدد.
في الختام، يشهد مجال تطبيقات المواعدة تحولًا كبيرًا بفضل الذكاء الاصطناعي. من المتوقع أن تستمر الشركات في الاستثمار في هذه التكنولوجيا في محاولة لتحسين التوفيق بين المستخدمين وزيادة رضاهم. ومع ذلك، لا يزال من غير الواضح ما إذا كانت هذه الجهود ستنجح في حل المشكلات التي تواجهها تطبيقات المواعدة، مثل إرهاق التمرير السريع وانخفاض عدد المستخدمين الذين يدفعون مقابل الخدمات. سيكون من المهم مراقبة تطورات هذه التكنولوجيا وتقييم تأثيرها على سلوك المستخدمين في الأشهر والسنوات القادمة.
