أرجئت عملية توقيع اتفاقية التجارة الحرة بين الاتحاد الأوروبي ودول مجموعة “ميركوسور” (تضم الأرجنتين والبرازيل والباراغواي والأوروغواي) بشكل مفاجئ، مما أثار خيبة أمل في كلا الجانبين. جاء هذا الإرجاء بعد موجة من الاحتجاجات والغضب بين المزارعين الأوروبيين، الذين يخشون من المنافسة المتزايدة من المنتجات الزراعية القادمة من أمريكا الجنوبية. وتعتبر هذه الاتفاقية من أهم اتفاقيات التجارة الحرة التي كان من المقرر إتمامها مؤخرًا، حيث استغرقت المفاوضات بشأنها حوالي 26 عامًا.

وقد عبّر الرئيس البرازيلي لويس إيناسيو لولا دا سيلفا عن أسفه للإرجاء، داعيًا الاتحاد الأوروبي إلى إظهار “الشجاعة” لإتمام الاتفاقية. جاءت تصريحات لولا في بداية قمة “ميركوسور” التي عُقدت في فوز دو إيغواسو بجنوب البرازيل، حيث أكد على أهمية الاتفاقية في تعزيز التعددية والموقف الاستراتيجي لأمريكا الجنوبية في ظل المنافسة العالمية المتزايدة. وذكر الرئيس البرازيلي أنه تلقى رسالة من رئيسة المفوضية الأوروبية ورئيس المجلس الأوروبي يشيران فيها إلى الأمل في التوصل إلى اتفاق بحلول يناير 2026.

مخاوف المزارعين الأوروبيين تؤجل اتفاقية التجارة الحرة مع ميركوسور

المحرك الرئيسي للإرجاء يكمن في معارضة شديدة من المزارعين في دول مثل فرنسا وإيطاليا. يخشى هؤلاء المزارعون من أن فتح الأسواق الأوروبية أمام كميات كبيرة من اللحوم، والسكر، والأرز، والعسل، وفول الصويا من دول “ميركوسور” سيؤدي إلى انخفاض أسعار منتجاتهم المحلية، وبالتالي تهديد سبل عيشهم. وقد تصاعدت هذه المخاوف في الأشهر الأخيرة، مما دفع الحكومات إلى إعادة النظر في موقفها.

تفاصيل اتفاقية التجارة الحرة المقترحة

تهدف اتفاقية التجارة الحرة إلى تسهيل التبادل التجاري بين الاتحاد الأوروبي ودول “ميركوسور” من خلال إلغاء أو خفض الرسوم الجمركية على مجموعة واسعة من المنتجات. كان من المتوقع أن تسمح الاتفاقية للشركات الأوروبية بزيادة صادراتها من السلع الصناعية، مثل المركبات والآلات، بالإضافة إلى النبيذ والمشروبات الروحية، إلى أسواق أمريكا الجنوبية.

في المقابل، كان من المفترض أن تتيح الاتفاقية لدول “ميركوسور” زيادة صادراتها الزراعية إلى أوروبا. هذا الجانب تحديدًا هو الذي أثار قلق المزارعين الأوروبيين. وفقًا لتقارير إعلامية، كانت هناك محاولات لإيجاد حلول وسط، مثل تحديد حصص كمية للمنتجات الزراعية، ولكنها لم تنجح في تهدئة المخاوف.

الأبعاد السياسية والاقتصادية للإرجاء

يتجاوز إرجاء هذه الاتفاقية مجرد المصالح التجارية للمزارعين. هناك أيضًا أبعاد سياسية واقتصادية أوسع نطاقًا. فالاتحاد الأوروبي يسعى إلى تعزيز علاقاته التجارية مع دول أمريكا اللاتينية كجزء من استراتيجيته لتنويع شركائها التجاريين وتقليل الاعتماد على الصين. ويعتبر البعض أن هذا التأخير قد يضر بسمعة الاتحاد الأوروبي كشريك تجاري موثوق به.

بالإضافة إلى ذلك، فإن إرجاء الاتفاقية قد يؤثر على جهود دول “ميركوسور” لتعزيز نموها الاقتصادي وجذب الاستثمارات الأجنبية. فالاتفاقية كانت من المتوقع أن تفتح أسواقًا جديدة لمنتجاتها وتساهم في خلق فرص عمل جديدة. وبحسب خبراء اقتصاديين، فإن التأخير سيعزز من التوجهات الإقليمية داخل ميركوسور.

وتأتي هذه التطورات في وقت يشهد فيه الاقتصاد العالمي حالة من عدم اليقين، بسبب التوترات الجيوسياسية وارتفاع معدلات التضخم. وتشير بعض التحليلات إلى أن الدول الأوروبية ربما تكون مترددة في إبرام اتفاقيات تجارية جديدة في ظل هذه الظروف. التجارة الحرة، بشكل عام، أصبحت موضوع جدل متزايد في العديد من الدول الغربية، حيث يرى البعض أنها تؤدي إلى فقدان الوظائف وتفاقم عدم المساواة.

الاتفاقيات التجارية الإقليمية والثنائية كذلك تواجه صعوبات متزايدة، حيث يركز العديد من الدول على حماية صناعاتها المحلية وتعزيز الاكتفاء الذاتي. هذا التوجه قد يؤدي إلى تباطؤ نمو التجارة العالمية وزيادة الحماية التجارية. وفيما يتعلق باقتصاديات أمريكا اللاتينية، فإن مصير هذه الاتفاقية يمثل اختبارًا لقدرتها على التفاوض على شروط تجارية عادلة ومفيدة.

وفي سياق متصل، يتزايد الحديث عن إمكانية البحث عن بدائل تجارية أخرى، مثل التفاوض على اتفاقيات مع دول أخرى في أمريكا اللاتينية أو مع دول في آسيا. التجارة الدولية تتطلب المرونة والتكيف مع الظروف المتغيرة، وقد يكون دول “ميركوسور” مضطرة إلى إعادة تقييم استراتيجيتها التجارية في ضوء هذا الإرجاء.

الآن، يترقب المراقبون رد فعل دول “ميركوسور” على هذا الإرجاء، وما إذا كانت ستسعى إلى استئناف المفاوضات مع الاتحاد الأوروبي في المستقبل القريب. من غير الواضح ما إذا كان الاتحاد الأوروبي سيتمكن من التغلب على معارضة المزارعين وإيجاد حل يرضي جميع الأطراف. بشكل عام، يبقى مستقبل العلاقات التجارية بين الاتحاد الأوروبي وأمريكا الجنوبية غير مؤكدًا.

شاركها.