تهددت قدرة الولايات المتحدة على إنتاج صواريخ موجهة بدقة خلال فترة الحرب التجارية التي شنها الرئيس السابق دونالد ترامب، وذلك بسبب الاعتماد على مصادر أجنبية للمكونات الأساسية. ومع ذلك، نجح خبراء الصناعة في استعادة سلاسل التوريد بشكل مؤقت، لتجنب أزمة حقيقية في الإنتاج العسكري. وتأتي هذه التطورات في وقت يشهد فيه العالم تصاعد التوترات الجيوسياسية وزيادة الطلب على الأسلحة المتطورة.
بدأت المشكلة في عام 2018 مع فرض إدارة ترامب رسوم جمركية على واردات الصلب والألومنيوم من عدة دول، بما في ذلك حلفاء مقربين للولايات المتحدة. أثرت هذه الرسوم بشكل مباشر على تكلفة المكونات المستخدمة في تصنيع صواريخ موجهة بدقة، مما أدى إلى تأخيرات في الإنتاج وارتفاع الأسعار. وتعتمد الصناعة الدفاعية الأمريكية بشكل كبير على سلاسل التوريد العالمية، مما يجعلها عرضة للصدمات الخارجية.
تأثير التعريفات الجمركية على إنتاج الصواريخ الموجهة بدقة
تعتمد صناعة الصواريخ الموجهة بدقة على مجموعة واسعة من المكونات المتخصصة، بما في ذلك أشباه الموصلات، والمعادن النادرة، وأنظمة التوجيه. العديد من هذه المكونات لا يتم إنتاجها بكميات كافية داخل الولايات المتحدة، مما يجبر الشركات الأمريكية على الاعتماد على موردين أجانب. وفقًا لتقرير صادر عن معهد الدراسات الاستراتيجية والدولية، فإن حوالي 30% من المكونات المستخدمة في تصنيع هذه الصواريخ تأتي من خارج الولايات المتحدة.
الاعتماد على الصين والموردين الآخرين
كانت الصين من بين الدول الأكثر تضررًا من الرسوم الجمركية، ولكنها كانت أيضًا مصدرًا رئيسيًا للمكونات المستخدمة في صناعة الدفاع الأمريكية. أدى فرض الرسوم الجمركية على الصلب والألومنيوم الصيني إلى ارتفاع تكلفة هذه المواد، مما أثر على القدرة التنافسية للشركات الأمريكية. بالإضافة إلى ذلك، أدت التوترات التجارية إلى تعطيل سلاسل التوريد وزيادة حالة عدم اليقين.
لم تكن الصين هي المورد الوحيد المتضرر. فقد تأثرت أيضًا شركات في دول أخرى مثل اليابان وكوريا الجنوبية وألمانيا، والتي كانت تزود الولايات المتحدة بمكونات متخصصة. أدى ذلك إلى نقص في بعض المكونات الحيوية وتأخيرات في الإنتاج.
جهود استعادة سلاسل التوريد
في مواجهة هذه التحديات، بدأت الشركات الأمريكية في البحث عن بدائل للموردين الأجانب. استثمرت بعض الشركات في زيادة قدرتها الإنتاجية داخل الولايات المتحدة، بينما سعت شركات أخرى إلى تنويع مصادر التوريد الخاصة بها. وقد ساعدت هذه الجهود في تخفيف حدة الأزمة بشكل مؤقت، ولكنها لم تحل المشكلة بشكل كامل.
بالإضافة إلى ذلك، تدخلت الحكومة الأمريكية لتقديم الدعم للشركات المتضررة. وقد شمل ذلك تقديم قروض وضمانات، بالإضافة إلى تسهيل الحصول على التراخيص والتصاريح اللازمة. ومع ذلك، يرى بعض الخبراء أن هذه الإجراءات لم تكن كافية لمعالجة المشكلة بشكل جذري. وتشير بعض التحليلات إلى أن الاستثمار في البنية التحتية الصناعية المحلية هو الحل الأمثل على المدى الطويل.
التداعيات الجيوسياسية والحلول المقترحة
تأتي هذه الأزمة في وقت يشهد فيه العالم تصاعد التوترات الجيوسياسية وزيادة الطلب على الأسلحة المتطورة. فقد أدت الحرب في أوكرانيا إلى زيادة الطلب على الأسلحة من قبل الدول الأوروبية، بينما تواصل الولايات المتحدة مواجهة تحديات من قبل قوى عظمى أخرى مثل الصين وروسيا. وبالتالي، فإن أي تعطيل في إنتاج الصواريخ الموجهة بدقة يمكن أن يكون له تداعيات خطيرة على الأمن القومي الأمريكي.
يعتقد بعض المحللين أن الحل يكمن في إعادة بناء القاعدة الصناعية الدفاعية الأمريكية. ويشمل ذلك الاستثمار في البحث والتطوير، وتشجيع الابتكار، وتوفير حوافز للشركات لإنشاء مصانع جديدة داخل الولايات المتحدة. بالإضافة إلى ذلك، يجب على الحكومة الأمريكية العمل مع حلفائها لتعزيز سلاسل التوريد العالمية وتقليل الاعتماد على مصادر أجنبية غير موثوقة. وتعتبر التكنولوجيا المتقدمة عنصراً أساسياً في هذا التحول.
في المقابل، يرى آخرون أن الحل يكمن في إيجاد توازن بين الاعتماد على الموردين الأجانب والاستثمار في الإنتاج المحلي. ويقولون إن الولايات المتحدة لا يمكنها أن تكون مكتفية ذاتيًا تمامًا في جميع المجالات، وأن الاعتماد على الموردين الأجانب يمكن أن يكون مفيدًا من حيث التكلفة والكفاءة. ومع ذلك، يجب على الحكومة الأمريكية التأكد من أن هذه الموردين موثوقون وأنهم لا يشكلون تهديدًا للأمن القومي.
في الوقت الحالي، تعمل وزارة الدفاع الأمريكية على تقييم المخاطر المحتملة لسلاسل التوريد الخاصة بها. ومن المتوقع أن تصدر الوزارة تقريرًا مفصلاً في نهاية عام 2024 يتضمن توصيات بشأن كيفية تعزيز هذه السلاسل وتقليل الاعتماد على الموردين الأجانب. وستكون هذه التوصيات حاسمة في تحديد مستقبل إنتاج الصواريخ الموجهة بدقة في الولايات المتحدة. ويجب مراقبة التطورات المتعلقة بالسياسات التجارية الأمريكية وتأثيرها على الصناعة الدفاعية.
