شهدت الصين ظاهرة اقتصادية متناقضة في الأشهر الأخيرة، حيث انخفضت قيمة الاستثمار الأجنبي المباشر بشكل عام، لكن عدد الشركات الأجنبية الجديدة التي يتم تأسيسها ارتفع بشكل ملحوظ. يعكس هذا التوجه تحولاً في طبيعة الاستثمار الأجنبي في البلاد، مع تركيز متزايد على إنشاء كيانات تجارية جديدة بدلاً من ضخ المزيد من الأموال في الشركات القائمة. وتأتي هذه التطورات في ظل تحديات اقتصادية عالمية وتقلبات جيوسياسية تؤثر على تدفقات رأس المال.
أفادت وزارة التجارة الصينية أن إجمالي تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر الفعلي خلال الفترة من يناير إلى نوفمبر من العام الحالي بلغ حوالي 693.18 مليار يوان (نحو 98.25 مليار دولار أمريكي)، بانخفاض قدره 7.5% مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي. ومع ذلك، ارتفع عدد الشركات ذات الاستثمار الأجنبي التي تأسست حديثاً إلى 61,207 شركة، بزيادة قوية بلغت 16.9% على أساس سنوي.
الاستثمار الأجنبي المباشر في الصين: تراجع في القيمة وارتفاع في الزخم
يعزى انخفاض قيمة الاستثمار الأجنبي المباشر إلى عدة عوامل، بما في ذلك تباطؤ النمو الاقتصادي العالمي، وارتفاع أسعار الفائدة في الاقتصادات الكبرى، وتزايد المخاوف بشأن التوترات التجارية بين الصين والولايات المتحدة. ومع ذلك، يشير الارتفاع في عدد الشركات الجديدة إلى أن الصين لا تزال وجهة جذابة للمستثمرين الذين يبحثون عن فرص طويلة الأجل في السوق الصينية.
في نوفمبر الماضي، شهد الاستثمار الأجنبي المباشر قفزة بنسبة 26.1% على أساس سنوي، مما يوفر مؤشرات إيجابية على تحسن معنويات المستثمرين مع اقتراب نهاية العام. قد يكون هذا التحسن مرتبطًا بالإجراءات الأخيرة التي اتخذتها الحكومة الصينية لتحفيز الاقتصاد، بما في ذلك تخفيضات الضرائب وتبسيط الإجراءات الإدارية.
القطاعات الواعدة وجاذبية الصين
القطاع الصناعي التحويلي يواصل جذب الاستثمارات، حيث بلغ إجمالي الاستثمارات فيه 171.72 مليار يوان خلال الأشهر الإحدى عشرة الأولى من العام. لكن قطاع الخدمات تصدر قائمة القطاعات المستفيدة، مستقطباً 506.29 مليار يوان، مما يعكس التحول الهيكلي للاقتصاد الصيني نحو الخدمات.
من الجدير بالذكر أن استثمارات التكنولوجيا الفائقة حافظت على مستوى جيد، حيث سجلت 221.26 مليار يوان. يؤكد هذا بقوة على استمرار الصين كمركز رئيسي لرأس المال الباحث عن الابتكار وسلاسل القيمة المتطورة، على الرغم من الصعوبات الجيوسياسية والقيود التجارية الحالية.
تحولات في مصادر الاستثمار
تظهر بيانات وزارة التجارة الصينية تحولات في مصادر الاستثمار الأجنبي. سجلت الاستثمارات القادمة من الإمارات العربية المتحدة ارتفاعاً ملحوظاً بنسبة 47.6% على أساس سنوي، بينما ارتفعت الاستثمارات من سويسرا بنسبة 67%. كما شهدت الاستثمارات البريطانية نمواً قدره 19.3%. تشير هذه الأرقام إلى تنوع متزايد في مصادر الاستثمار الأجنبي في الصين، بعيدًا عن الاعتماد التقليدي على الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.
تؤكد هذه التطورات على أهمية منطقة الشرق الأوسط كشريك تجاري واستثماري صاعد للصين. ويعزى ذلك إلى مبادرات البنية التحتية المشتركة، والتعاون المتزايد في مجالات الطاقة والتكنولوجيا، والعلاقات الدبلوماسية القوية بين البلدين. شهدت أيضاً سويسرا زيادة في الاستثمار بسبب استقرارها السياسي والاقتصادي، وهو أمر جذاب للمستثمرين وسط حالة عدم اليقين العالمية.
بالإضافة إلى ذلك، يعزز التزام الصين بتطوير قطاعها التكنولوجي، وبخاصة في مجالات مثل الذكاء الاصطناعي والطاقة المتجددة، من جاذبيتها للمستثمرين المتخصصين. تحرص الشركات الأجنبية على الاستفادة من هذا التطور من خلال إنشاء مراكز بحث وتطوير وشراكات مع الشركات الصينية المحلية.
آفاق الاستثمار الأجنبي في الصين
من المتوقع أن تواصل الحكومة الصينية جهودها لتعزيز مناخ الاستثمار الأجنبي، من خلال المزيد من الإصلاحات وتخفيف القيود. مع ذلك، لا تزال هناك بعض المخاوف بشأن بيئة الأعمال في الصين، بما في ذلك قضايا حقوق الملكية الفكرية والقيود على الوصول إلى بعض القطاعات.
من المهم مراقبة التطورات الاقتصادية والسياسية في الصين عن كثب خلال الأشهر القادمة. سيشكل الارتفاع المستمر في عدد الشركات الأجنبية الجديدة، بالإضافة إلى اتجاهات الاستثمار في قطاعات رئيسية مثل التكنولوجيا والخدمات، مؤشراً رئيسياً على مستقبل الاستثمار الأجنبي المباشر في الصين. وستقدم بيانات الربع الأول من العام المقبل رؤى أعمق حول استدامة هذا الاتجاه وتأثيره على النمو الاقتصادي الصيني.
