أظهرت دراسة حديثة أجرتها منصة “كالشي” للتنبؤات أن متداولي أسواق التنبؤ يتفوقون باستمرار على المحترفين في توقع معدلات التضخم، خاصةً عندما تكون القراءات مختلفة بشكل كبير عن التقديرات. وقد سلطت الدراسة الضوء على فعالية هذه الأسواق كأداة بديلة لتقييم المخاطر الاقتصادية واتخاذ القرارات السياسية.
بمقارنة توقعات التضخم على منصتها مع تقديرات التوافق في وول ستريت، وجدت كالشي أن المتداولين الذين يعتمدون على السوق كانوا أكثر دقة من الاقتصاديين والمحللين التقليديين على مدار فترة 25 شهرًا. كان هذا التفوق ملحوظًا بشكل خاص خلال فترات التقلبات الاقتصادية، مما يشير إلى قدرة هذه الأسواق على التكيف مع الظروف المتغيرة بسرعة.
أسواق التنبؤ والتضخم: دقة متزايدة في ظل الأزمات
كشفت الدراسة أن التقديرات القائمة على السوق للتغيرات السنوية في مؤشر أسعار المستهلك (CPI) أظهرت انخفاضًا في متوسط الخطأ بنسبة 40٪ مقارنة بتوقعات الإجماع بين فبراير 2023 ومنتصف عام 2025. كما زاد هذا الفرق بشكل كبير عندما انحرفت الأرقام بشكل حاد عن التوقعات، حيث تجاوز أداء توقعات كالشي توافق الآراء بنسبة تصل إلى 67٪.
كيف تتفوق أسواق التنبؤ؟
تعتمد أسواق التنبؤ على تجميع توقعات الأفراد ذوي الحوافز المالية للتنبؤ بالنتائج بدقة. على عكس التنبؤات التقليدية التي غالبًا ما تعكس مجموعة مشتركة من النماذج والافتراضات، فإن هذه الأسواق تستفيد من “حكمة الحشود” من خلال دمج وجهات نظر متنوعة.
تعزى هذه الدقة المتزايدة إلى عدة عوامل. أولاً، تستفيد أسواق التنبؤ من مجموعة واسعة من المدخلات، بما في ذلك الاتجاهات الخاصة بالقطاع وبيانات بديلة. ثانيًا، يتلقى المتداولون حوافز مالية قوية لتقديم تنبؤات دقيقة، مما يقلل من التحيزات المحتملة.
بالإضافة إلى ذلك، فإن الطبيعة المستمرة لتسعير السوق، والتي يتم تحديثها في الوقت الفعلي، تتجنب التأخير الملحوظ في تقديرات الإجماع، والتي غالبًا ما يتم تحديدها قبل عدة أيام من إصدار البيانات. هذه الاستجابة السريعة للتغيرات في الظروف الاقتصادية تعزز من قدرة هذه الأسواق على تقديم تنبؤات أكثر دقة.
تشهد قاعدة مستخدمي كالشي نموًا ملحوظًا بفضل دمجها مع محفظة العملات المشفرة الرئيسية “فانتوم”. وقد جمعت الشركة مليار دولار أمريكي بقيمة تقييمية قدرها 11 مليار دولار أمريكي في وقت سابق من هذا الشهر، مما يعكس الثقة المتزايدة في أسواق التنبؤ. وفي أكتوبر، وردت أنباء عن أن “بوليماركت”، وهي منصة أخرى مشهورة، كانت في محادثات لجمع الأموال بقيمة تقييمية تصل إلى 15 مليار دولار أمريكي.
أشار مؤلفو التقرير إلى أنه على الرغم من أن حجم الصدمات الكبيرة نسبيًا صغير، إلا أن البيانات تشير إلى دور محتمل للتنبؤات القائمة على السوق كجزء من أدوات تخطيط المخاطر والسياسات الأوسع. ومع ذلك، لا يزال هناك قلق بشأن احتمالية التحيزات السلوكية، مثل التحيز التأكيدي (acquiescence bias) والتفكير القطيعي (herd mentality) وانخفاض السيولة، والتي يمكن أن تؤدي إلى تضخيم احتمالات وقوع الأحداث.
من الجدير بالذكر أن دراسات سابقة قد أكدت هذه النتائج. ففي وقت سابق من هذا العام، أظهرت الأبحاث التي أجراها عالم بيانات أن “بوليماركت” دقيقة بنسبة 90٪ في التنبؤ بوقوع الأحداث بعد شهر واحد، وبنسبة 94٪ قبل ساعات قليلة من وقوع الحدث الفعلي. وتؤكد هذه الأرقام على الإمكانات الكبيرة لأسواق التنبؤ كأداة موثوقة للتنبؤ المستقبلي.
التحليل الاقتصادي (Economic Analysis) يشير إلى أن أسواق التنبؤ يمكن أن توفر رؤى قيمة للمؤسسات وصناع القرار. بدلاً من استبدال طرق التنبؤ التقليدية بشكل كامل، تقترح الدراسة أن صانعي القرار المؤسسيين قد يفكرون في دمج الإشارات القائمة على السوق كمصادر معلومات تكميلية ذات قيمة خاصة خلال فترات عدم اليقين الهيكلي. الاستثمار في أسواق التنبؤ (Investment in Prediction Markets) يعتبر خيارًا واعدًا لتحسين دقة التنبؤ وتخفيف المخاطر.
في المستقبل القريب، من المتوقع أن تستمر أسواق التنبؤ في النمو والتطور، مع زيادة التركيز على تحسين السيولة والحد من التحيزات السلوكية. كما من المرجح أن نشهد المزيد من التكامل بين هذه الأسواق والأدوات المالية التقليدية، مما سيزيد من فائدتها للمستثمرين والمحللين على حد سواء. ومع ذلك، تظل البيئة التنظيمية غير مؤكدة، وسيكون من المهم مراقبة تطورات السياسات التي قد تؤثر على نمو هذه الأسواق.
