سجّلت أسعار الذهب مستويات قياسية جديدة في الأسواق العالمية، متجاوزة حاجز 4400 دولار للأونصة، مدفوعة بتصاعد المخاوف الجيوسياسية وتوقعات بتخفيف السياسة النقدية من قبل الاحتياطي الفيدرالي. وشهدت الفضة أيضاً ارتفاعاً ملحوظاً، في ظل تزايد الطلب عليها كمخزن للقيمة ومكون صناعي حيوي. هذا الارتفاع يضع كلا المعدنين في مسار لتحقيق أفضل أداء سنوي لهما منذ عام 1979، مع استمرار حالة عدم اليقين الاقتصادي العالمي.

أظهرت بيانات التداول ارتفاع سعر الذهب بأكثر من 1.5%، بينما صعدت الفضة بنسبة تصل إلى 3.4%، مما يعكس تزايد الثقة في المعادن النفيسة كأصول ملاذ آمن. يأتي هذا التطور بالتزامن مع تطورات جيوسياسية مقلقة، بما في ذلك تشديد القيود على فنزويلا والهجمات على ناقلات النفط في البحر المتوسط، مما زاد من تقلبات الأسواق المالية.

عام تاريخي لأسعار الذهب

يتجه عام 2024 نحو أن يكون عاماً استثنائياً لأسعار الذهب والفضة، حيث يشهد كلا المعدنين مكاسب كبيرة مدعومة بأسباب متعددة. فقد تضاعفت أسعار الفضة تقريباً، بينما ارتفع سعر الذهب بنحو الثلثين، مما يؤكد جاذبية هذه الأصول في البيئة الاقتصادية الحالية.

تأثير البنوك المركزية

يرجع جزء كبير من هذا الارتفاع إلى زيادة مشتريات الذهب من قبل البنوك المركزية حول العالم، والتي تسعى إلى تنويع احتياطياتها وتقليل تعرضها للدولار الأمريكي. وتشير بيانات “مجلس الذهب العالمي” إلى أن إجمالي حيازات الذهب في الصناديق المتداولة قد شهد ارتفاعاً شهرياً باستثناء شهر مايو، مما يدل على استمرار التدفقات النقدية نحو المعدن النفيس.

توقعات أسعار الفائدة وتأثيرها

كما أن توقعات السوق بشأن قيام الاحتياطي الفيدرالي بخفض أسعار الفائدة في المستقبل القريب تلعب دوراً هاماً في دعم أسعار الذهب. فالذهب لا يدر عائداً، وبالتالي يصبح أكثر جاذبية للمستثمرين عندما تنخفض عوائد الأصول الأخرى. تراهن الأسواق حالياً على احتمال خفض أسعار الفائدة مرتين على الأقل في عام 2026، على الرغم من عدم وجود وضوح كامل بشأن مسار السياسة النقدية.

تتوقع مجموعة “غولدمان ساكس” استمرار ارتفاع أسعار الذهب، مع وضع سيناريو أساسي يبلغ 4900 دولار للأونصة، مع إمكانية تجاوز هذا الرقم في حال استمرار العوامل الداعمة. ويرى محللو المجموعة أن المستثمرين في الصناديق المتداولة يتنافسون مع البنوك المركزية على الإمدادات المحدودة من الذهب المادي.

أشار ديلين وو، الاستراتيجي لدى “بيبرستون غروب ليمتد”، إلى أن مشتريات البنوك المركزية والطلب الفعلي والتحوط الجيوسياسي لا تزال تشكل ركائز أساسية لدعم أسعار الذهب على المدى المتوسط والطويل. وأضاف أن دخول لاعبين جدد، مثل مُصدري العملات المستقرة وبعض الشركات، إلى سوق الذهب يزيد من مرونة الطلب.

ارتفاع أسعار الفضة والبلاتين

شهدت أسعار الفضة ارتفاعاً كبيراً مدفوعة بتدفقات المضاربة واستمرار اختلالات المعروض في الأسواق الرئيسية، بعد فترة من الضغط البيعي في أكتوبر الماضي. كما ارتفع حجم التداول على عقود الفضة الآجلة في شنغهاي إلى مستويات قريبة من تلك المسجلة خلال الأزمة السابقة.

بالإضافة إلى ذلك، سجل البلاتين مكاسب قوية للجلسة الثامنة على التوالي، متجاوزاً حاجز 2000 دولار للأونصة للمرة الأولى منذ عام 2008. ويرجع هذا الارتفاع إلى تشديد السوق في لندن وزيادة الصادرات إلى الصين، حيث ينمو الطلب على المعدن.

في وقت كتابة هذا التقرير، ارتفع الذهب في المعاملات الفورية بنسبة 1.7% إلى 4412.94 دولار للأونصة، وصعدت الفضة بنسبة 2.6% إلى 68.88 دولار. كما ارتفع البلاتين بنسبة 4.3%، والبلاديوم بأكثر من 3%. في المقابل، تراجع مؤشر “بلومبرغ” الفوري للدولار بنسبة 0.2%.

من المتوقع أن تستمر أسعار المعادن النفيسة في التذبذب في المدى القصير، مع مراقبة المستثمرين عن كثب للتطورات الجيوسياسية وبيانات الاقتصاد الأمريكي. وستكون قرارات الاحتياطي الفيدرالي بشأن أسعار الفائدة حاسمة في تحديد مسار أسعار الذهب والفضة في الأشهر المقبلة. كما يجب الانتباه إلى أي تغييرات في سياسات البنوك المركزية بشأن مشتريات الذهب، حيث يمكن أن يكون لها تأثير كبير على الأسعار.

شاركها.