بعد مرور عقدين على السماح لعملتها بالتقلب، تواجه الصين ضغوطاً متزايدة للسماح بارتفاع قيمة اليوان. وتأتي هذه الضغوط في وقت تبدي فيه السلطات الصينية حذراً شديداً من أي ارتفاع كبير في قيمة العملة، خوفاً من تأثير ذلك على الصادرات وقدرة الاقتصاد على النمو. هذا الموقف يعيد إلى الأذهان قرار عام 2005 بفك ارتباط اليوان بالدولار، والذي كان مشروطاً ومحسوباً بعناية.
على الرغم من أن بكين لم تنأَ بنفسها عن سوق الصرف الأجنبي، إلا أن تدخلاتها الأخيرة لافتة للنظر. تشير هذه التدخلات إلى رغبة في الحفاظ على تنافسية الصادرات، التي استفادت من ضعف العملة، مع وجود قلق من أن الأداء الاقتصادي المحلي قد يكون أضعف مما تُظهره الأرقام الرسمية. وتأتي هذه التطورات في ظل توقعات بصدور بيانات اقتصادية مقلقة في وقت لاحق من هذا الشهر.
قوة الصادرات وعلاقتها بـاليوان
لم يتأثر اليوان سلباً بشكل كبير في عام 2024، حيث ارتفع بنسبة تقارب 4% مقابل الدولار، ويتجه نحو تسجيل أفضل أداء سنوي له في خمس سنوات. ومع ذلك، يعتبر هذا الارتفاع متواضعاً نسبياً، خاصةً بالنظر إلى الأداء الضعيف للدولار الأمريكي. في المقابل، شهدت عملات أخرى في المنطقة، مثل الرينغيت الماليزي والبات التايلاندي والدولار السنغافوري والتايواني، أداءً أفضل بكثير.
يرغب المستثمرون في رؤية ارتفاع في قيمة اليوان، لكنهم يواجهون مقاومة مستمرة من بنك الشعب الصيني. يستخدم البنك المركزي أدوات مختلفة للإشارة إلى نواياه، بما في ذلك تحديد سعر مرجعي للعملة، والذي يحاول المتعاملون التنبؤ به. في الأسبوع الماضي، كان سعر التثبيت أضعف من المتوقع، وعززت البنوك الحكومية هذا التوجه من خلال شراء الدولار لكبح جماح اليوان.
حجم التداول وتأثيره على السياسة النقدية
تدرك بكين قوة الأسواق المالية. فقد ارتفع حجم تداول العملات الأجنبية إلى 9.6 تريليون دولار يومياً، مقارنةً مع 1.9 تريليون دولار فقط في عام 2005، عندما تم إلغاء نظام تثبيت سعر صرف اليوان عند 8.3 يوان للدولار. وسعر الصرف الحالي يقارب 7 يوانات للدولار (اعتباراً من 8 ديسمبر).
لا يكمن سبب تردد الحكومة في السماح بارتفاع سعر الصرف في الارتفاع بحد ذاته، بل في وتيرة التغيير. يجب أن تعكس القرارات المتعلقة بالعملة ما تراه القيادة العليا مصلحة وطنية شاملة. يكمن التحدي في كيفية الحفاظ على قوة الصادرات، مع الأخذ في الاعتبار الضغوط المتزايدة لرفع قيمة اليوان، والتي تأتي من انتعاش أسواق الأسهم المحلية وتخفيف التوترات التجارية مع الولايات المتحدة.
ماذا سيحدث لو سمحت الصين بارتفاع أكبر في قيمة اليوان؟ لطالما انتقد الرئيس دونالد ترامب دولاً، بما في ذلك الصين، تتهمها بالتلاعب بعملاتها لإحداث ميزة غير عادلة. ومع ذلك، في الجولة الأخيرة من المحادثات بين البلدين، لم يكن اليوان نقطة خلاف رئيسية، وتم تخفيض الرسوم الجمركية.
توقعات مستقبلية وتأثيرها على الاقتصاد الصيني
يبدو أن واشنطن وبكين راضيتان عن التوصل إلى اتفاقيات جزئية بشكل دوري لتجنب تفاقم العلاقات. وقد يعرض عدم السماح بارتفاع اليوان هذا التقدم النسبي للخطر. يرى البعض أن الرئيس شي جين بينغ يجب أن يسمح بارتفاع أكبر في قيمة العملة، حيث تشير تقديرات صندوق النقد الدولي إلى أن اليوان قد يكون مقوماً بأقل من قيمته الحقيقية بنسبة تصل إلى 18%.
وتتوقع عدد من البنوك الكبرى، مثل مجموعة غولدمان ساكس، ارتفاعاً في قيمة اليوان العام المقبل. كما يرى بعض الاقتصاديين الصينيين البارزين، مع الحذر في تعليقاتهم، مجالاً واسعاً لارتفاع قيمة العملة. قد يساعد ذلك الاقتصاد على المدى الطويل من خلال تحفيز الطلب المحلي.
تحفيز الطلب المحلي وتقليل الاعتماد على الصادرات
يقول مياو يانليانغ، كبير الاستراتيجيين في شركة تشاينا إنترناشيونال كابيتال والخبير الاقتصادي السابق في هيئة تنظيم سوق الصرف الأجنبي، إن الوقت قد حان للسماح لليوان بالارتفاع قليلاً. ويشير إلى أن الدولار من المرجح أن يظل ضعيفاً لبضع سنوات، مما يجعل من الطبيعي أن ترتفع العملات الأخرى. ومع ذلك، فإن كبح اليوان سيؤدي إلى انخفاض قيمته مقابل عملات الشركاء التجاريين الآخرين.
هناك مخاطر مرتبطة بارتفاع قيمة العملة، حيث أن الصين تتجنب الانكماش. قد يؤدي ارتفاع قيمة اليوان إلى تفاقم الصعوبات الاقتصادية. يحتاج النشاط الاقتصادي إلى دفعة في قطاعات أخرى، مثل مبيعات التجزئة والإنتاج الصناعي والتوظيف، بينما يعاني الاستثمار من الركود. من خلال خفض تكلفة الواردات، يمكن جعلها أكثر جاذبية للمستهلكين.
إن فكرة إعادة توازن الاقتصاد الصيني بعيداً عن الاعتماد المفرط على الصادرات ليست جديدة. وهي تكمن وراء العديد من الدعوات لرفع قيمة العملة خلال العشرين عاماً الماضية. الآن، مع وجود إدارة أمريكية متحمسة للحواجز التجارية، فإن تشجيع اليوان على تعزيز قوته، أو عدم الوقوف في وجهه بقوة، يبدو خياراً منطقياً. البديل هو تحرك مفاجئ، وما يترتب عليه من اضطرابات.
في الختام، من المتوقع أن يستمر بنك الشعب الصيني في مراقبة الأوضاع الاقتصادية العالمية والمحلية عن كثب، مع الأخذ في الاعتبار تأثير أي تغيير في سعر صرف اليوان على الصادرات والنمو الاقتصادي. من المرجح أن تتخذ السلطات الصينية خطوات تدريجية وحذرة لتجنب أي صدمات اقتصادية كبيرة. يجب مراقبة البيانات الاقتصادية الصادرة في الأسابيع والأشهر القادمة، بالإضافة إلى التطورات في العلاقات التجارية مع الولايات المتحدة، لتقييم المسار المستقبلي لليوان.
