يشهد سوق العقارات الأمريكي تحولات كبيرة، حيث تتصدر شركة “كومباس” (Compass) المشهد بتحدياتها الجريئة للشركات الكبرى مثل “زيلو” (Zillow) وجمعية الوسطاء العقاريين الوطنية (National Association of Realtors). يهدف الرئيس التنفيذي لشركة “كومباس”، روبرت ريفكين، إلى إعادة تشكيل طريقة بيع وشراء المنازل، مما يثير جدلاً واسعاً حول مستقبل هذا القطاع الحيوي.
في خضم معركة قانونية شرسة مع “زيلو” وصفقة استحواذ محتملة على شركة “أنيوير ريل إستيت” (Anywhere Real Estate) بقيمة 1.6 مليار دولار، يواصل ريفكين جهوده لتعزيز مكانة “كومباس” كقوة دافعة للتغيير في سوق العقارات. تتضمن هذه الجهود تحدي القواعد التقليدية التي تحد من كيفية تسويق المنازل، وهو ما أثار ردود فعل متباينة في الصناعة.
تحدي هيمنة جمعية الوسطاء العقاريين الوطنية وسوق العقارات
بدأ ريفكين حملته ضد جمعية الوسطاء العقاريين الوطنية في عام 2024، معتبراً أن قواعدها تحد من قدرة البائعين ووكلاء العقارات على تسويق المنازل بشكل فعال. يرغب ريفكين في تحويل موقع “كومباس” إلى منصة حصرية لعرض قوائم عقارية فريدة لا يمكن العثور عليها في أي مكان آخر. ومع ذلك، فإن قواعد الجمعية تدفع الوكلاء إلى مشاركة قوائم المنازل على نطاق واسع عبر قواعد البيانات الصناعية.
عندما وقفت “زيلو” إلى جانب الوضع الراهن، اندلعت حرب بين الشركتين. ردت “كومباس” برفع دعوى قضائية ضد “زيلو” في المحكمة الفيدرالية، مما أدى إلى مثول ريفكين أمام المحكمة كشاهد رئيسي في هذا النزاع.
الخلاف مع “زيلو” وتأثيره على المستهلكين
تصاعدت حدة الخلاف في الصيف الماضي، عندما بدأت “زيلو” بحظر عدد قليل من قوائم المنازل – معظمها لموكلي “كومباس” – من موقعها الإلكتروني الذي يحظى بزيارة عالية. ردت “كومباس” برفع دعوى قضائية ضد “زيلو” في المحكمة الفيدرالية، مدعية أن الشركة تستخدم قوتها الاحتكارية لقمع نموذج أعمالها المبتكر.
يرى منتقدو ريفكين أن محاولته لإعادة كتابة القواعد قد تؤدي إلى إحداث فوضى في سوق العقارات، مع المزيد من قوائم المنازل المخفية وراء “ستائر حريرية افتراضية” وترك المشترين يواجهون عملية بحث أكثر تعقيداً.
استراتيجية “كومباس” الجديدة والتأثير على الوكلاء
تعتمد استراتيجية “كومباس” الجديدة على ما يسمى بـ “استراتيجية التسويق ثلاثية المراحل”، والتي تهدف إلى منح الوكلاء مزيداً من التحكم في كيفية عرض قوائمهم. في المرحلة الأولى، يشارك الوكلاء قوائمهم في قاعدة بيانات داخلية حصرية لوكلاء “كومباس” وعملائهم. في المرحلة الثانية، يتم نشر القوائم على موقع “كومباس” كقوائم “قادمة قريباً”. أما المرحلة الثالثة فهي الإطلاق التقليدي عبر قوائم MLS و”زيلو”.
يهدف هذا النهج إلى منح البائعين وقتاً أطول لاختبار السوق وتجنب الضغط الناتج عن انخفاض الأسعار أو طول مدة بقاء العقار في السوق. ومع ذلك، يرى البعض أن هذه الاستراتيجية قد تحد من رؤية المشترين وتجعل عملية البحث أكثر صعوبة.
ردود فعل الوكلاء وانتقادات الاستراتيجية
على الرغم من دعم العديد من وكلاء “كومباس” لريفكين، إلا أن البعض الآخر أعربوا عن تحفظاتهم بشأن هذه الاستراتيجية. يرى هؤلاء الوكلاء أن قوائم المنازل يجب أن تكون متاحة للجمهور على نطاق واسع لضمان وصولها إلى أكبر عدد ممكن من المشترين المحتملين.
أثار هذا الجدل نقاشاً حول دور جمعية الوسطاء العقاريين الوطنية وقواعدها، وما إذا كانت هذه القواعد تعيق الابتكار وتضر بالمستهلكين.
مستقبل “كومباس” وسوق العقارات
من المتوقع أن تستمر المعركة القانونية بين “كومباس” و”زيلو” لبعض الوقت، مع احتمال أن تؤثر على مستقبل كيفية بحث الأمريكيين عن المنازل. كما أن صفقة الاستحواذ المحتملة على “أنيوير ريل إستيت” قد تعزز مكانة “كومباس” كلاعب رئيسي في سوق العقارات، ولكنها قد تواجه أيضاً تدقيقاً تنظيمياً.
يبقى أن نرى ما إذا كان ريفكين سينجح في تحقيق رؤيته لإعادة تشكيل سوق العقارات. ومع ذلك، فمن الواضح أن “كومباس” قد أحدثت بالفعل تأثيراً كبيراً على الصناعة، وأجبرت اللاعبين الكبار على إعادة التفكير في استراتيجياتهم.
من المتوقع أن يتم البت في الدعوى القضائية بين “كومباس” و”زيلو” في الأشهر المقبلة، بينما لا يزال مصير صفقة الاستحواذ مع “أنيوير ريل إستيت” معلقاً. سيكون من المهم مراقبة هذه التطورات لمعرفة كيف ستؤثر على مستقبل سوق العقارات الأمريكي.
