تستغل الصين مكانتها كأكبر دائن في العالم لتوسيع نطاق استخدام اليوان، من خلال تقديم خيارات للمقترضين الأجانب للاستفادة من أسعار الفائدة المنخفضة داخل الصين بدلاً من الاعتماد على الدولار الأمريكي. يشهد هذا الأسبوع خطوة جديدة مع سعي إثيوبيا لتحويل جزء من ديونها المستحقة لبكين، والتي تبلغ 5.38 مليار دولار، إلى قروض مقومة بالعملة الصينية. هذه الخطوة تأتي في سياق اهتمام متزايد من دول أخرى بالحصول على تمويل صيني أرخص، خاصةً من خلال إصدار سندات باليوان.
تُظهر هذه التطورات تحولاً استراتيجياً من جانب الصين لتعزيز دور اليوان في التجارة والتمويل الدوليين، في وقت تتصاعد فيه التوترات التجارية مع الولايات المتحدة وتتزايد فيه المخاوف بشأن هيمنة الدولار. ولكن، هذه السياسة تحمل أيضاً تكلفة على الصين، حيث ستتحمل خسائر في الفوائد مقارنة بالقروض المقومة بالدولار.
ما الذي تستفيده الصين من تحويل القروض الدولارية إلى يوان؟
تؤكد مصادر مطلعة على أن الحكومة الصينية تدعم بشكل فعال مبادرة تحويل القروض الدولارية إلى يوان، خاصة تلك المتعلقة بالبضائع والخدمات الصينية. هذا الإجراء يسهل على الدول المستوردة سداد قيمة هذه البضائع مباشرة باليوان، مما يعزز من تداول واستخدام العملة الصينية في المعاملات التجارية الدولية. وتشير التقارير إلى أن هذا النهج قد يمتد ليشمل القروض الجديدة المقدمة لدول خارج أفريقيا.
يكمن الدافع وراء هذه المقايضة في ترسيخ مكانة اليوان في النظام المالي العالمي، وتقليل الاعتماد على الدولار الأمريكي. يأتي ذلك في ظل وجود خلافات اقتصادية متزايدة بين الصين والولايات المتحدة، وتصاعد الرسوم الجمركية الأمريكية على الصادرات الصينية، وهو ما دفع العديد من الدول إلى البحث عن بدائل تمويلية.
وبحسب مايكل بيتيس، الباحث البارز في مؤسسة “كارنيغي” للسلام الدولي، فإن “القلق الصيني يكمن في أن سيطرة الولايات المتحدة على العملة الدولية الرئيسية تمنحها نفوذاً استراتيجياً كبيرًا، مثل القدرة على فرض عقوبات اقتصادية من خلال النظام المالي العالمي المرتكز على الدولار”.
تكلفة رأس المال والقروض الصينية: منظور المقترضين
بالإضافة إلى الجوانب الجيوسياسية، فإن الظروف الاقتصادية الحالية في الصين تلعب دوراً مهماً في تسهيل هذه التحولات. الضغوط الانكماشية والتباطؤ الاقتصادي في الصين يدفعان نحو تبني سياسة نقدية ميسرة، مما يجعل القروض باليوان أكثر جاذبية للمقترضين الأجانب. إن الفرق في أسعار الفائدة بين الولايات المتحدة والصين يوفر فرصة للمقترضين للحصول على تمويل بتكلفة مناسبة.
وقد بدأت بالفعل بعض الدول في الاستفادة من هذا التوجه. فقد باعت المجر وكازاخستان سندات مقومة باليوان هذا العام، بينما أعلنت سريلانكا عن خططها للحصول على قرض باليوان بقيمة 500 مليون دولار لتمويل مشروع طريق سريع. كما تخطط إندونيسيا لإصدار أول سندات خارجية مقومة باليوان.
أعلنت كينيا أنها خفضت تكاليف خدمة الدين السنوية بمقدار 215 مليون دولار من خلال تحويل قروضها للسكك الحديدية الصينية من الدولار إلى اليوان هذا الشهر، مما يعكس الفوائد المباشرة التي يمكن أن تجنيها الدول من هذه التحولات.
مراقبة الدول الأخرى لخطوة كينيا
أبدى وزير المالية الزامبي، سيتومبيكو موسوكوتواني، اهتماماً كبيراً بصفقة كينيا، مؤكداً أن بلاده تتابع هذه التطورات عن كثب. وأوضح أن أي إجراء يمكن أن يخفف من عبء الديون على زامبيا سيكون محل ترحيب، مشيراً إلى أنهم لم يتخذوا قراراً نهائياً بعد، لكنهم يراقبون الوضع عن عنية.
وتشير التقديرات إلى أن هناك 78 دولة نامية مدينة للصين بمبالغ كبيرة، مما يجعلها مرشحة للاستفادة من إعادة هيكلة ديونها باليوان. على الرغم من أن تحويل العملة وحده قد لا يكون كافياً لحل مشاكل الديون المستدامة، إلا أنه يمكن أن يوفر بعض الراحة المالية لهذه الدول.
جهود الصين لتدويل اليوان
تعتبر مبادلات العملات الثنائية جزءاً من جهود أوسع تبذلها الصين لتعزيز اعتماد اليوان على المستوى الدولي، حيث أبرمت اتفاقيات مماثلة مع حوالي 30 دولة حول العالم. وبحسب البيانات التي جمعتها بلومبرغ، فإن الحكومات والبنوك المركزية والهيئات الدولية قد أصدرت ما مجموعه 68 مليار يوان (9.5 مليار دولار) من الديون والقروض حتى أكتوبر من هذا العام، وهو ما يمثل ضعف إجمالي ما تم إصداره في عام 2023 بأكمله.
تدرك الصين أن تعزيز مكانة اليوان يتطلب أيضاً فتح أسواقها المالية وتسهيل وصول الأجانب إلى الاستثمار في المنتجات المالية المقومة باليوان. لذلك، تعهد بنك الشعب الصيني بمواصلة هذه الإصلاحات، وتشجيع المؤسسات الأجنبية على استخدام اليوان في المعاملات المالية.
وبالرغم من هذه الجهود، لا يزال اليوان يواجه تحديات في المنافسة مع الدولار الأمريكي، بما في ذلك قيود رأس المال الصارمة وعدم استقرار سعر الصرف. وسيكون من الضروري إجراء إصلاحات أعمق لرفع مكانة اليوان العالمية.
مستقبل هيمنة الدولار
تشير التطورات الأخيرة إلى أن هيمنة الدولار على الاقتصاد العالمي قد بدأت في التراجع، وذلك مع تزايد المخاوف بشأن السياسات الاقتصادية الأمريكية والديون المتزايدة. في المقابل، تسعى الصين جاهدة لتقديم اليوان كبديل موثوق، وتهدف في النهاية إلى تحويله إلى عملة احتياطية عالمية حقيقية. لكن تحقيق هذا الهدف الطموح سيستغرق وقتاً وجهداً كبيرين.
من المتوقع أن تشهد الأشهر القادمة المزيد من الدول وهي تدرس خيارات تحويل ديونها إلى اليوان، وأن تستمر الصين في تعزيز جهودها لتدويل عملتها. سيكون من المهم متابعة تطورات أسعار الفائدة العالمية، والسياسات النقدية لكل من الولايات المتحدة والصين، وأي تحولات في المزاج الاستثماري العالمي، لمعرفة ما إذا كان اليوان سيتمكن من التحدي بفاعلية هيمنة الدولار.
