وقعت سلطنة عُمان وجمهورية الهند مؤخرًا مجموعة من الاتفاقيات الهامة، بما في ذلك وثيقة الرؤية البحرية المشتركة وبرنامج تنفيذي للتعاون في مجالات الزراعة والصناعات الغذائية. تهدف هذه الاتفاقيات، بالإضافة إلى أربع مذكرات تفاهم أخرى، إلى تعزيز الابتكار وتنمية المهارات وتعزيز الشراكات بين القطاعين العام والخاص، مما يعزز بشكل كبير آفاق التعاون الاقتصادي بين عمان والهند. جاء توقيع هذه الاتفاقيات خلال زيارة رسمية لرئيس الوزراء الهندي إلى مسقط، مؤكدًا التزام البلدين بتعميق علاقاتهما الثنائية.
تشمل المبادرات الملموسة برنامجًا تنفيذيًا يركز على تطوير زراعة الدخن وتعزيز الصناعات الغذائية والزراعية. ويعكس هذا التركيز الاهتمام المشترك بتعزيز الأمن الغذائي من خلال تبني التكنولوجيا الزراعية الحديثة وتحسين سلاسل الإمداد. وتعد هذه الخطوة جزءًا من استراتيجية أوسع نطاقًا لتعزيز العلاقات التجارية والاستثمارية بين البلدين.
تعزيز التعاون الزراعي والصناعات الغذائية بين عمان والهند
يُعد القطاع الزراعي من الركائز الأساسية في اقتصاد كلا البلدين، ويمثل البرنامج التنفيذي فرصة لتبادل الخبرات والمعرفة في مجال الزراعة المستدامة والتكنولوجيا المتقدمة. بالإضافة إلى ذلك، فإن تطوير الصناعات الغذائية يتماشى مع جهود التنويع الاقتصادي التي تبذلها سلطنة عُمان، بينما تسعى الهند إلى زيادة إنتاجها الزراعي وتحسين جودة منتجاتها.
نطاق البرنامج التنفيذي
لا يقتصر البرنامج التنفيذي على زراعة الدخن فحسب، بل يشمل أيضًا التعاون في مجالات أخرى مثل تطوير البذور، وإدارة المياه، والتسويق الزراعي. ويُتوقع أن يؤدي هذا التعاون إلى زيادة الإنتاجية الزراعية وتحسين جودة المنتجات الزراعية في كلا البلدين.
وتركز وثيقة الرؤية البحرية المشتركة على تعزيز التعاون في مجالات القدرات البحرية والتراث البحري والمتاحف. يهدف هذا الجانب من التعاون إلى الاستفادة من الموقع الاستراتيجي لسلطنة عُمان على طول خطوط الملاحة البحرية وتاريخها البحري الغني، بالإضافة إلى الخبرات الهندية في مجال تطوير الموانئ والتكنولوجيا البحرية.
مذكرات التفاهم: دعم الابتكار وتنمية المهارات
تُعد مذكرات التفاهم الأربع التي تم توقيعها بمثابة محفز للتعاون في مجالات البحث العلمي والابتكار وتنمية المهارات. وتهدف هذه المذكرات إلى تعزيز القدرات المحلية في كلا البلدين من خلال تبادل الخبرات والتدريب المشترك وتنفيذ مشاريع بحثية مبتكرة. كما تتضمن مذكرة تفاهم تتعلق بالشراكة بين غرفة تجارة وصناعة عُمان واتحاد الصناعات الهندية، والتي من شأنها تسهيل التبادل التجاري والاستثماري بين القطاعين الخاصين في البلدين.
تمثل هذه الاتفاقيات اعترافًا بأهمية الاستثمار في رأس المال البشري والابتكار كعوامل أساسية لتحقيق النمو الاقتصادي المستدام. ويأتي هذا التوجه في إطار رؤية مستقبلية مشتركة تركز على بناء اقتصادات معرفية تنافسية.
الجهات المشاركة في التوقيع
مثل حكومة سلطنة عُمان في حفل التوقيع كل من وزير الخارجية بدر بن حمد البوسعيدي، والسفير عيسى بن صالح الشيباني، والرئيس التنفيذي لغرفة تجارة وصناعة عُمان، زكريا بن عبد الله السعدي. في المقابل، مثل حكومة الهند وزير الشؤون الخارجية س. جايشانكار، ووزير التجارة والصناعة بيوش جويال، وسفير الهند المعتمد لدى سلطنة عُمان جي في سرينيفاس، والمدير العام لاتحاد الصناعات الهندي تشاندراجيت بانيرجي.
تشير البيانات إلى أن التبادل التجاري بين عمان والهند يشهد ديناميكية ملحوظة خلال السنوات الثلاث الماضية. فقد بلغ حجم واردات الهند من سلطنة عمان 5.931 مليار دولار في عام 2024، مقارنة بـ 4.945 مليار دولار في عام 2023 و8.896 مليار دولار في عام 2022، وفقًا لمركز التجارة الدولي. بينما انخفضت صادرات الهند إلى عمان من 4.720 مليار دولار في عام 2022 إلى 4.008 مليار دولار في عام 2024.
وعلى صعيد التجارة العالمية، ارتفعت واردات سلطنة عمان من العالم إلى 40.623 مليار دولار في 2024، مقارنة بـ 38.775 مليار دولار في 2023. في الوقت نفسه، ارتفعت صادرات سلطنة عمان إلى العالم بقيمة 74.582 مليار دولار في عام 2024، بعد أن سجلت 59.010 مليار دولار في عام 2023 و66.063 مليار دولار في عام 2022. كما شهدت التجارة الهندية على المستوى العالمي نموًا، حيث ارتفعت واردات الهند من العالم إلى 702.773 مليار دولار في عام 2024، وارتفعت صادراتها إلى 441.701 مليار دولار.
من المتوقع أن تُعزز هذه الاتفاقيات بشكل كبير من حجم الاستثمارات الهندية في عمان، والعكس صحيح. يُتوقع أن تشهد القطاعات غير النفطية، مثل الصناعات الغذائية والتكنولوجيا والسياحة، نموًا ملحوظًا في الاستثمارات الواردة من كلا البلدين. يبقى التحدي في تنفيذ هذه الاتفاقيات بفعالية وتحقيق أهدافها المرجوة، ويتطلب ذلك تنسيقًا وثيقًا بين الجهات الحكومية والقطاع الخاص في كلا البلدين.
تُعد هذه الخطوة بداية واعدة لعلاقة تعاونية أقوى بين سلطنة عُمان والهند. من المنتظر أن يتم تشكيل لجان مشتركة لبدء تنفيذ هذه الاتفاقيات وتحديد آليات التعاون التفصيلية. وسيتم متابعة التقدم المحرز في تنفيذ هذه المبادرات خلال الاجتماعات الثنائية القادمة بين مسؤولي البلدين. من المهم مراقبة التطورات في هذه الشراكة وتقييم تأثيرها على النمو الاقتصادي في كلا البلدين في الأشهر والسنوات القادمة.
