يشهد قطاع الأصول الرقمية في الولايات المتحدة تحولاً تنظيمياً كبيراً، حيث تتجه الإدارة الأمريكية الحالية نحو تبني نهج أكثر دعماً وتشجيعاً لهذا القطاع مقارنة بالإدارات السابقة. هذا التحول يتضمن خطوات ملموسة نحو وضع إطار قانوني واضح ومنظم للعملات المشفرة، بما في ذلك العملات المستقرة، مما يمهد الطريق لتطوير شامل للقطاع.
أكد الدكتور مايكل بيووار، نائب الرئيس التنفيذي للتمويل في معهد ميلكن ومفوض سابق في هيئة الأوراق المالية والبورصات الأمريكية، أن هذا التوجه يمثل نقطة تحول رئيسية في السياسة الأمريكية تجاه تنظيم العملات الرقمية. ووفقاً لتصريحاته لشبكة CNN الاقتصادية، فإن الإدارة الحالية تخلت عن فكرة إصدار عملة رقمية مركزية للبنك المركزي الأمريكي، وذلك بسبب مخاوف تتعلق بالخصوصية والمراقبة.
تطورات تنظيمية رئيسية في مجال الأصول الرقمية
يأتي هذا التوجه بعد إقرار تشريع جديد يركز على تنظيم العملات المستقرة الخاصة، وهو ما يعتبره بيووار خطوة حاسمة نحو وضع إطار تشريعي شامل لبقية أنواع الأصول الرقمية. يتضمن هذا الإطار مشاركة فعالة من البيت الأبيض، وهيئة الأوراق المالية والبورصات، وهيئة تداول السلع.
أهمية التشريع القانوني
أشار بيووار إلى أن الحصول على تشريع قانوني هو الأهم، لأن القوانين أكثر استقراراً من الإرشادات التنظيمية التي يمكن تغييرها بسهولة مع تغير الإدارة. وقد بدأت بعض الجهات التنظيمية بالفعل في إصدار توجيهات تهدف إلى توفير مزيد من الوضوح للمؤسسات العاملة في هذا القطاع، ولكن هذه الخطوات لن تصبح نهائية إلا بتحويلها إلى قوانين رسمية.
بالإضافة إلى ذلك، يرى بيووار أن تمرير التشريعات واستكمال اللوائح الأساسية خلال العامين القادمين سيعزز بشكل كبير من استقرار الإطار القانوني الجديد. على الرغم من إمكانية إلغاء التشريع من خلال أمر تنفيذي، إلا أن هذا الأمر يقتصر على الأشهر الستة الأخيرة من ولاية الإدارة، ويتطلب تغييراً في البيت الأبيض والكونغرس في نفس الوقت، وهو سيناريو غير مرجح.
التحول في نهج الإدارة الأمريكية
في المقابل، اتبعت الإدارة السابقة نهجاً يعتمد على “التنظيم عبر التقاضي”، حيث رفعت دعاوى قضائية ضد منصات تداول اتُهمت بتقديم أصول تعتبر أوراقاً مالية دون تسجيل قانوني. العملات المشفرة شهدت ضغوطاً كبيرة خلال هذه الفترة. أما الإدارة الحالية فقد سحبت عدداً من هذه الدعاوى، وتعمل بدلاً من ذلك على إيجاد آليات لدمج هذه المنصات في النظام المالي الرسمي.
شركة “كوين بيس” قدمت مثالاً واضحاً على هذا التوجه، حيث طلبت من هيئة الأوراق المالية والبورصات إصدار قواعد واضحة لتنظيم أعمالها، بل ورفعت دعوى قضائية لإلزام الهيئة بذلك. هذا يعكس رغبة بعض المؤسسات في العمل ضمن إطار تنظيمي شفاف ومحدد.
ومع ذلك، هناك أيضاً أطراف أخرى تسعى للعمل خارج النظام المالي التقليدي، استناداً إلى المبادئ الأساسية للبيتكوين. لكن الولايات المتحدة، وفقاً لبيووار، لن تسمح بنمو نموذج موازٍ للنظام المالي. الكونغرس يعمل حالياً على معالجة كيفية تنظيم الوسطاء التقليديين في بيئة التمويل اللامركزي، وهو ما يمثل محور التشريع الجديد.
تأثيرات على قطاع التمويل اللامركزي
التمويل اللامركزي (DeFi) يمثل تحدياً تنظيمياً جديداً، حيث يسعى الكونغرس إلى إيجاد طرق لتنظيم الوسطاء التقليديين العاملين في هذا المجال. هذا يتطلب دراسة متأنية لآثار التنظيم على الابتكار والنمو في هذا القطاع الناشئ.
بالإضافة إلى ذلك، فإن تطور تنظيم البيتكوين والأصول الرقمية الأخرى سيؤثر على الاستثمارات المؤسسية والاهتمام العام بهذا القطاع. الوضوح التنظيمي المتزايد قد يجذب المزيد من المستثمرين التقليديين، مما يعزز من نمو القطاع.
في الختام، من المتوقع أن تشهد الأشهر القادمة المزيد من المناقشات والتشريعات المتعلقة بتنظيم الأصول الرقمية في الولايات المتحدة. الخطوة التالية الحاسمة ستكون استكمال اللوائح الأساسية خلال العامين القادمين، مع مراقبة التطورات في الكونغرس والقرارات التنظيمية الصادرة عن هيئة الأوراق المالية والبورصات. يبقى من غير المؤكد كيف ستتطور هذه اللوائح، وما إذا كانت ستؤدي إلى بيئة تنظيمية داعمة للابتكار والنمو في قطاع الأصول الرقمية.
