يتوقع كبار المصرفيين في وول ستريت، بما في ذلك دويتشه بنك وغولدمان ساكس، أن يشهد الدولار الأميركي تراجعًا ملحوظًا بدءًا من عام 2026. يأتي هذا التوقع في ظل استمرار بنك الاحتياطي الفيدرالي في اتباع سياسة تخفيض أسعار الفائدة بشكل تدريجي، بينما تتبنى بنوك مركزية أخرى حول العالم مسارات مختلفة، تتراوح بين الحفاظ على الاستقرار ورفع أسعار الفائدة. هذا التحول في السياسات النقدية يُنظر إليه على أنه سيؤثر بشكل كبير على قيمة الدولار في الأسواق العالمية.

شهد الدولار استقرارًا نسبيًا خلال الأشهر الستة الماضية، بعد فترة تراجع حادّة في النصف الأول من العام الحالي. يعود هذا التراجع السابق إلى حد كبير إلى حالة عدم اليقين التي خلقتها الحرب التجارية التي أطلقها الرئيس السابق دونالد ترامب، والتي أدت إلى اضطرابات في الأسواق العالمية. ومع ذلك، يرى المحللون أن هذه الفترة من الاستقرار قد لا تدوم طويلًا.

توقعات بتراجع الدولار الأميركي في 2026

يعتقد استراتيجيون ماليون أن الفجوة المتزايدة في أسعار الفائدة بين الولايات المتحدة وبقية العالم ستدفع المستثمرين إلى بيع السندات الأميركية والبحث عن فرص استثمارية أكثر ربحية في دول أخرى. هذا التحول في تدفقات رأس المال من المتوقع أن يضعف الطلب على الدولار، مما يؤدي إلى انخفاض قيمته مقابل العملات الرئيسية مثل الين الياباني واليورو والجنيه الإسترليني.

تشير تقديرات بلومبرغ إلى أن مؤشر الدولار، الذي يقيس قوة الدولار مقابل سلة من العملات الأخرى، قد ينخفض بنسبة 3% بحلول نهاية عام 2026. ويعكس هذا التوقع توافقًا واسع النطاق بين المحللين في أكثر من ستة بنوك استثمارية كبرى.

تأثير أسعار الفائدة على حركة رؤوس الأموال

يؤكد ديفيد آدامز، رئيس استراتيجية العملات الأجنبية لمجموعة العشرة الكبرى في مورغان ستانلي، على وجود “مجال واسع” لدمج توقعات خفض أكبر للفائدة في الأسواق. ويضيف أن هذا الدمج سيؤدي إلى مزيد من الضعف في الدولار. ويرى أن الأسواق لم تسعر بشكل كامل احتمالية خفض أسعار الفائدة من قبل الاحتياطي الفيدرالي.

من المتوقع أن يكون هذا التراجع في قيمة الدولار أقل حدة وأقل شمولية مقارنة بما حدث في عام 2023، حيث انخفضت قيمته مقابل جميع العملات الرئيسية، مما أدى إلى انخفاض مؤشر بلومبرغ للدولار الفوري بنحو 8%، وهو أكبر انخفاض سنوي له منذ عام 2017.

وجهات نظر متباينة حول مستقبل الدولار

على الرغم من التوقعات السائدة بتراجع الدولار، إلا أن هناك بعض الأصوات المعارضة. فريق “سيتي غروب”، على سبيل المثال، يحث المستثمرين على التحوط من احتمال ارتفاع الدولار، معتبرين أن قوة الاقتصاد الأميركي قد تدعم قيمته. ويرون أن طفرة الذكاء الاصطناعي قد تجذب تدفقات استثمارية إلى الولايات المتحدة، مما يعزز الطلب على الدولار.

ويرى محللو RBC أن الدولار قد يشهد انخفاضًا حادًا يصل إلى 40%، على غرار ما حدث خلال فقاعة الإنترنت في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين. هذا السيناريو يعتمد على افتراض حدوث تغييرات كبيرة في السياسات النقدية وتدفقات رأس المال العالمية.

العوامل المؤثرة في توقعات انخفاض الدولار

تعتمد التوقعات بانخفاض الدولار على عدة عوامل، بما في ذلك استمرار ضعف سوق العمل الأميركي، وهو أمر لا يزال غير مؤكد. كما أن التنبؤ بحركة العملات يعتبر مهمة صعبة للغاية، نظرًا لتأثرها بمجموعة واسعة من المتغيرات الاقتصادية والسياسية.

بالإضافة إلى ذلك، تتزامن هذه التوقعات مع تقديرات التجار بخفض بنك الاحتياطي الفيدرالي لأسعار الفائدة مرتين في العام المقبل، بمقدار ربع نقطة مئوية لكل خفض. كما أن هناك احتمالًا بأن يخضع رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي الذي سيختاره الرئيس ترامب لضغوط البيت الأبيض لخفض أسعار الفائدة بشكل أكبر.

تأثير التغيرات العالمية على الدولار

في المقابل، من المتوقع أن يحافظ البنك المركزي الأوروبي على أسعار الفائدة عند مستواها الحالي، بينما يرفع بنك اليابان أسعار الفائدة تدريجيًا. هذا التباين في السياسات النقدية بين البنوك المركزية الرئيسية من شأنه أن يزيد من الضغوط على الدولار.

يشير لويس أوغانيس، رئيس أبحاث الاقتصاد الكلي العالمية في جيه بي مورغان، إلى أن “المخاطر تميل أكثر ضد الدولار منها لصالحه”. ويؤكد على أن ضعف الدولار قد يؤثر بشكل إيجابي على الاقتصاد الأميركي من خلال رفع تكلفة الواردات وتعزيز الصادرات.

كما أن ضعف الدولار قد يؤدي إلى تحفيز تدفقات رأس المال إلى الأسواق الناشئة، مما يعزز النمو الاقتصادي في هذه المناطق. وقد دفع هذا التحول بالفعل صفقات “تجارة الفائدة” في الأسواق الناشئة إلى تحقيق أكبر عوائد لها منذ عام 2009.

في الختام، تشير التوقعات الحالية إلى أن الدولار الأميركي قد يشهد تراجعًا تدريجيًا في عام 2026، مع استمرار بنك الاحتياطي الفيدرالي في تخفيف السياسة النقدية. ومع ذلك، لا تزال هناك بعض المخاطر التي قد تؤدي إلى تغيير هذا المسار، مثل قوة الاقتصاد الأميركي أو حدوث تطورات غير متوقعة في الأسواق العالمية. من المهم مراقبة تطورات أسعار الفائدة والنمو الاقتصادي في الولايات المتحدة وبقية العالم لتقييم مستقبل الدولار بشكل دقيق.

شاركها.