لا يشهد الدولار الأميركي استقراراً في هذه الفترة، ومع اقتراب نهاية العام، تواجهه تحديات متزايدة قد تعيد تشكيل التدفقات المالية العالمية، بدءاً من واشنطن وصولاً إلى طوكيو، ومن أسواق السندات إلى الذهب. يتأثر مستقبل الدولار حالياً بعاملين رئيسيين، أحدهما يتعلق بالسياسة النقدية في الولايات المتحدة، والآخر مرتبط بتطورات في بنك اليابان المركزي.

خلفية سريعة: تطور أداء الدولار

خلال العامين الماضيين، استفاد الدولار من سياسة التشديد النقدي التي تبناها الاحتياطي الفيدرالي، مما أدى إلى ارتفاع عوائد السندات الأميركية وجذب رؤوس الأموال من الخارج، خاصة من الدول التي تطبق أسعار فائدة منخفضة. هذا التدفق النقدي عزز مكانة الدولار كعملة رئيسية في التجارة والاستثمار العالميين.

في المقابل، حافظ بنك اليابان لفترة طويلة على سياسة الفائدة الصفرية، مما أدى إلى ظاهرة تُعرف بتجارة الفائدة أو “الكاري تريد”، حيث يقترض المستثمرون بالين الياباني بسعر فائدة منخفض ويستثمرونه في أصول أميركية ذات عائد أعلى.

الاختبار الأول: قيادة الاحتياطي الفيدرالي وتأثيرها على الدولار

أحد التحديات القريبة يتمثل في الإعلان عن الرئيس الجديد للاحتياطي الفيدرالي. تشير التوقعات، وفقاً لرويترز، إلى أن الرئيس المقبل قد يكون شخصية مقربة من الإدارة الحالية، مما قد يؤثر على توجهات السياسة النقدية.

أظهر الرئيس ترامب في السابق تفضيله لسياسة نقدية توسعية تهدف إلى خفض أسعار الفائدة لدعم النمو الاقتصادي. وبالتالي، فإن اختيار رئيس للاحتياطي الفيدرالي يتماشى مع هذه الرؤية قد يؤدي إلى توقعات بتخفيضات أسرع في أسعار الفائدة.

إذا تأكد للمستثمرين اتجاه السياسة النقدية نحو تخفيضات أسرع للفائدة، فمن المرجح أن ينخفض العائد الحقيقي على الدولار، مما قد يضعف من جاذبيته ويؤدي إلى ضغوط هبوطية على قيمته مقابل أصول أخرى مثل الذهب والفضة.

الاختبار الثاني: تحول سياسة بنك اليابان

التحدي الآخر يكمن في قرار بنك اليابان المركزي المتوقع في 19 ديسمبر. تشير التوقعات إلى احتمال رفع جديد للفائدة، في وقت تتجه فيه معظم البنوك المركزية الكبرى نحو التيسير النقدي.

تكمن أهمية هذا القرار في الدور الكبير الذي تلعبه اليابان كدائن رئيسي للاقتصاد الأميركي. فوفقاً لبيانات وزارة الخزانة الأميركية، تعتبر اليابان أكبر دائن خارجي للولايات المتحدة، حيث تمتلك سندات خزانة أميركية بقيمة تزيد عن 1.18 تريليون دولار حتى سبتمبر الماضي.

رفع الفائدة في اليابان يزيد من تكلفة الاقتراض بالين، مما يقلل من جاذبية استراتيجية “الكاري تريد” التي تعتمد على اقتراض الين منخفض التكلفة والاستثمار في الأصول الأميركية. قد يؤدي ذلك إلى تراجع تدفقات رؤوس الأموال من اليابان إلى الولايات المتحدة، أو على الأقل تباطؤها.

ما هي تجارة الفائدة؟

تعتمد تجارة الفائدة على اقتراض الأموال بعملة ذات فائدة منخفضة، مثل الين الياباني، ثم تحويلها إلى عملة ذات فائدة أعلى، مثل الدولار الأميركي، للاستثمار في الأصول الأميركية. الفرق بين العائدين يمثل الربح للمستثمر.

الصورة الأكبر: مستقبل الدولار في ظل التغيرات العالمية

عند الجمع بين هذين الحدثين – رئيس للاحتياطي الفيدرالي يميل إلى خفض الفائدة وبنك اليابان الذي يتحرك في اتجاه معاكس – تتضح معالم ضغط مزدوج على الدولار.

قد يؤدي هذا إلى إعادة تقييم الدولار في الأسواق، وليس انهياره. فالوضع الحالي يمثل مرحلة انتقالية في ميزان القوى النقدية العالمية.

وفقاً للمجموعة المالية آيه بي سي، فإن استقرار أو تحسن شهية المخاطرة العالمية قد يزيد من هذا الضعف النسبي. الدولار لا يزال يحتفظ بمكانته كعملة احتياطية عالمية، لكن هذه التطورات تشير إلى أن هيمنته قد تتضاءل تدريجياً.

من المتوقع أن تشهد الأسابيع القادمة تطورات مهمة في هذا الصدد، بدءاً من الإعلان عن الرئيس الجديد للاحتياطي الفيدرالي، وصولاً إلى قرار بنك اليابان المركزي في 19 ديسمبر. سيكون من المهم مراقبة ردود فعل الأسواق على هذه الأحداث، وتقييم تأثيرها على قيمة الدولار والتدفقات المالية العالمية.

شاركها.