في أكتوبر الماضي، شهدت أبوظبي تجمعاً لخبراء شركة “كيه كيه آر” (KKR & Co)، مؤكدةً بذلك اهتماماً متزايداً بالاستثمار في منطقة الخليج. هذا الاهتمام تجسد في افتتاح مكتب جديد للشركة في العاصمة الإماراتية، مما يعكس الأهمية المتنامية للشرق الأوسط في النظام المالي العالمي، خاصةً مع اقتصاداته الغنية بالنفط وسكانها الشبابين.

تعتبر “كيه كيه آر”، وهي شركة استثمار بديل تدير أصولاً بقيمة 723 مليار دولار، من أوائل الشركات الرائدة في مجال الاستحواذ. وتأتي هذه الخطوة، بعد سنوات من التوسع في أوروبا وآسيا، لتعزيز حضورها في منطقة الخليج، التي تشهد تحولات اقتصادية واعدة وفرصاً استثمارية متنوعة.

اقتصاديات الخليج وجاذبية الاستثمار

تستقطب اقتصادات الخليج شركات الاستحواذ العالمية، مدفوعةً برغبة هذه الدول في تنويع مصادر دخلها بعيداً عن النفط، والتركيز على قطاعات مثل التمويل والتكنولوجيا، بما في ذلك الذكاء الاصطناعي. كما أن برامج الخصخصة الضخمة التي تشهدها المنطقة تمثل فرصة استثمارية جذابة.

لكن هذه اللحظة تحمل بعض التعقيدات. فصناديق الثروة السيادية الخليجية، التي كانت في السابق من أبرز الداعمين لشركات الاستثمار البديل، أصبحت أكثر انتقائية في اختيار شركائها، مع التركيز على ممارسات التقييم العادلة والعوائد المجزية. ويرى البعض أن بعض الأسواق في المنطقة أصبحت مشبعة بالمستثمرين.

على الرغم من ذلك، تزايدت وتيرة صفقات “كيه كيه آر” في الخليج، حيث استثمرت الشركة نحو ملياري دولار خلال الأشهر العشرة الماضية، بما في ذلك الاستحواذ على حصة في شبكة خطوط أنابيب الغاز التابعة لشركة بترول أبوظبي الوطنية (أدنوك) وحصة في إحدى أكبر شركات مراكز البيانات في المنطقة. يرى سكوت نوتال، الرئيس التنفيذي المشارك لـ “كيه كيه آر”، أن المنطقة تحقق نمواً يشبه الأسواق الناشئة مع مستوى مخاطر يقترب من الأسواق المتقدمة.

توسع “كيه كيه آر” الإقليمي

تأسست “كيه كيه آر” في الولايات المتحدة، وتوسعت لاحقاً إلى أوروبا وآسيا. ولديها مكتب في دبي منذ عام 2009، بالإضافة إلى مكتبها الجديد في أبوظبي ومكتبها في الرياض الذي افتتح عام 2014. وتعتزم الشركة زيادة حجم استثماراتها في المنطقة، على غرار ما فعلته في أوروبا وآسيا.

أكد نوتال في مقابلة مع “بلومبرغ نيوز” أن “كيه كيه آر” تتبنى أسلوباً مباشراً في الدخول إلى الأسواق الجديدة، وتسعى إلى استثمار المزيد من رأس المال مع الشركاء المحليين. وقد سجلت الشركة مؤخراً ثاني أعلى ربع سنوي لها في جمع الأموال، مما يعزز قدرتها على تنفيذ المزيد من الصفقات في المنطقة.

المنافسة والفرص في سوق الاستثمار الخليجي

يشهد سوق الاستثمار في الخليج تدفقاً متزايداً من الشركات المالية العالمية الكبرى، مثل “بروكفيلد أسيت مانجمنت” و”بلاك روك” و”سي في سي كابيتال بارتنرز” و”جنرال أتلانتك”. وتستعد هذه الشركات للمشاركة في مؤتمر التمويل السنوي في أبوظبي هذا الشهر.

يرى مسؤولو “كيه كيه آر” أن قدرتهم على تنفيذ مجموعة واسعة من الصفقات تمنحهم ميزة تنافسية. فالشركة تستثمر من محفظة عالمية من رأس المال، مما يتيح لها استهداف فرص أكبر وأكثر تنوعاً. ويؤكد جوليان بارات-ديو، رئيس الاستثمارات في الشرق الأوسط، أن “كيه كيه آر” تتمتع برؤية واسعة ومرونة كبيرة في تحديد مدة الاستثمار وتكلفة رأس المال وحجم الصفقات وهياكل الحوكمة.

يعود الإقبال على الاستثمار في المنطقة إلى انفتاح دول الخليج على المستثمرين الدوليين، وبدءها في طرح بعض أصولها الحيوية للاستثمار. وقد شاركت “كيه كيه آر” و”بلاك روك” في أول صفقة من هذا النوع في الشرق الأوسط، عندما استحوذتا على حصة في شبكة خطوط أنابيب النفط التابعة لـ”أدنوك” في عام 2019.

نظرة مستقبلية

من المتوقع أن يستمر تدفق الاستثمارات إلى منطقة الخليج في ظل خطط التحول الاقتصادي الطموحة التي تتبناها دول المنطقة، ورغبتها في جذب الاستثمارات الأجنبية. ومع ذلك، لا يزال سوق الاستثمار في المنطقة يواجه بعض التحديات، مثل التعقيدات التنظيمية والمخاطر السياسية وتقلبات أسعار النفط. وسيتطلب النجاح في هذا السوق فهماً عميقاً للبيئة المحلية وبناء علاقات قوية مع الشركاء المحليين. من المهم متابعة تطورات برامج الخصخصة والمشاريع الاستثمارية الكبرى في المنطقة، وتقييم تأثيرها على فرص الاستثمار المتاحة.

شاركها.