أحدثت شركة نتفليكس، عملاق البث التدفقي، تحولاً مفاجئاً في استراتيجيتها التجارية بإعلانها عن زيادة تركيزها على إصدار الأفلام في دور السينما. يأتي هذا القرار بعد سنوات من التغييرات المتعددة في نموذج عمل الشركة، بما في ذلك التركيز على المحتوى الأصلي ثم التراجع عنه جزئياً. وقد أعلنت الشركة عن هذه الخطوة في بيان رسمي صدر يوم الثلاثاء، مما أثار تساؤلات حول مستقبل البث التدفقي وتأثيره على صناعة السينما التقليدية.
سيتم تطبيق هذه الاستراتيجية الجديدة على نطاق عالمي، مع التركيز بشكل خاص على الأفلام ذات الميزانيات الكبيرة والتي يُتوقع أن تحقق إيرادات كبيرة في شباك التذاكر. تهدف نتفليكس إلى إطلاق ما يقرب من فيلم واحد شهريًا في دور السينما، وذلك بالإضافة إلى استمرار عرض المحتوى عبر منصتها الرقمية. هذا التحول يمثل مغامرة جديدة للشركة في عالم توزيع الأفلام.
تحول استراتيجي لنتفليكس: نحو دور السينما
لطالما كانت نتفليكس رائدة في مجال البث التدفقي المباشر للمستهلك، متجاوزةً بذلك نموذج توزيع الأفلام التقليدي. تأسست الشركة في عام 1997 كخدمة تأجير أقراص DVD بالبريد، ثم انتقلت في عام 2007 إلى البث عبر الإنترنت. وقد أحدثت ثورة في طريقة مشاهدة الناس للأفلام والمسلسلات، مما أدى إلى تراجع كبير في إيرادات دور السينما.
ومع ذلك، شهدت نتفليكس في السنوات الأخيرة بعض التحديات، بما في ذلك تباطؤ نمو عدد المشتركين وزيادة المنافسة من شركات بث أخرى مثل ديزني+ و HBO Max. وقد أدى ذلك إلى إعادة تقييم الشركة لاستراتيجيتها التجارية، والبحث عن طرق جديدة لزيادة الإيرادات وجذب المزيد من المشتركين.
أسباب التحول نحو العرض السينمائي
هناك عدة أسباب وراء قرار نتفليكس بالتركيز على دور السينما. أولاً، يمكن أن يساعد العرض السينمائي في زيادة الوعي بأفلام الشركة، وبالتالي جذب المزيد من المشاهدين إلى منصتها الرقمية. ثانياً، يمكن أن يوفر العرض السينمائي مصدر دخل إضافي للشركة، خاصةً بالنسبة للأفلام ذات الميزانيات الكبيرة.
بالإضافة إلى ذلك، قد يكون هذا التحول استجابةً لضغوط من صناعة السينما، التي كانت تتهم نتفليكس بتقويض نموذجها التجاري. فقد أعرب العديد من مديري دور السينما عن رغبتهم في التعاون مع نتفليكس، وعرض أفلامها في دور السينما مقابل حصة من الإيرادات. هذا التعاون قد يعزز مكانة نتفليكس في الصناعة.
كيف سيتم تنفيذ هذه الاستراتيجية؟
تخطط نتفليكس للتعاون مع سلاسل دور السينما الكبرى في جميع أنحاء العالم لعرض أفلامها. وستعتمد الشركة على مزيج من الإصدارات الحصرية وغير الحصرية، اعتمادًا على الفيلم والسوق المستهدف. كما ستستمر الشركة في إنتاج الأفلام التي يتم عرضها حصريًا على منصتها الرقمية.
من المتوقع أن تبدأ نتفليكس في تطبيق هذه الاستراتيجية الجديدة في الربع الأخير من عام 2024. وستركز الشركة في البداية على إصدار الأفلام التي تم إنتاجها بالفعل، ثم ستبدأ في إنتاج المزيد من الأفلام المصممة خصيصًا للعرض السينمائي. هذا التحول يتطلب تنسيقًا دقيقًا بين فرق الإنتاج والتسويق والتوزيع في الشركة.
هذا التغيير في الاستراتيجية يمثل أيضًا محاولة لنتفليكس لتعزيز مكانتها كمنتج أفلام ذي جودة عالية. فقد واجهت الشركة انتقادات في الماضي بسبب جودة بعض أفلامها الأصلية. من خلال عرض أفلامها في دور السينما، تأمل نتفليكس في إثبات قدرتها على إنتاج أفلام يمكن أن تنافس الأفلام التي تنتجها الاستوديوهات الكبرى. وهذا قد يؤدي إلى زيادة في إنتاج الأفلام الأصلية عالية الجودة.
في المقابل، يرى بعض المحللين أن هذا التحول قد يكون محفوفًا بالمخاطر. فقد لا يكون جمهور نتفليكس معتادًا على الذهاب إلى دور السينما لمشاهدة أفلامها. كما أن تكاليف توزيع الأفلام في دور السينما يمكن أن تكون مرتفعة. بالإضافة إلى ذلك، قد تواجه نتفليكس مقاومة من سلاسل دور السينما، التي قد لا تكون راغبة في مشاركة الإيرادات معها. هذه التحديات تتطلب من نتفليكس أن تكون حذرة ومرنة في تنفيذ استراتيجيتها الجديدة.
تأثير هذا التحول على صناعة الترفيه المنزلي بشكل عام لا يزال غير واضح. قد يؤدي إلى زيادة في إيرادات دور السينما، ولكنه قد يؤدي أيضًا إلى تراجع في عدد المشتركين في خدمات البث التدفقي. من المرجح أن يعتمد التأثير النهائي على كيفية استجابة المستهلكين لهذه الاستراتيجية الجديدة، وعلى كيفية تعامل الشركات الأخرى مع هذا التغيير.
في السنوات الأخيرة، شهدت صناعة السينما تحولات كبيرة، بما في ذلك ظهور تقنيات جديدة مثل IMAX و Dolby Cinema. كما أن جائحة كوفيد-19 أدت إلى تسريع وتيرة التحول نحو البث التدفقي. ومع ذلك، لا يزال الكثير من الناس يفضلون مشاهدة الأفلام في دور السينما، للاستمتاع بتجربة مشاهدة فريدة من نوعها. هذا التحول من نتفليكس يعكس الاعتراف بأهمية دور السينما في صناعة الأفلام.
الخطوة التالية المتوقعة من نتفليكس هي الإعلان عن قائمة الأفلام التي سيتم عرضها في دور السينما في الأشهر المقبلة. كما ستراقب الشركة عن كثب أداء هذه الأفلام، لتقييم فعالية استراتيجيتها الجديدة. من غير المؤكد ما إذا كانت هذه الاستراتيجية ستنجح على المدى الطويل، ولكنها تمثل بالتأكيد تطورًا مثيرًا للاهتمام في صناعة الترفيه.
