رفعت منظمة “تقرير الصحفيين” (Reporters Committee for Freedom of the Press) دعوى قضائية ضد وزارة الدفاع الأمريكية، زاعمة أن مجموعة القواعد الجديدة التي وضعتها الوزارة للصحفيين تنتهك الدستور الأمريكي. وتتعلق الدعوى، التي تم تقديمها في محكمة فيدرالية، بحقوق حرية الصحافة وحرية التعبير والإجراءات القانونية الواجبة. وتأتي هذه الخطوة بعد إعلان وزارة الدفاع عن إجراءات جديدة تهدف إلى تنظيم وصول الصحفيين إلى المعلومات العسكرية.

تم تقديم الدعوى القضائية في 26 أكتوبر 2023، في محكمة منطقة كولومبيا. وتستهدف الدعوى وزير الدفاع الأمريكي، لويد أوستن، وتدعي أن القواعد الجديدة تشكل رقابة مسبقة على نشر المعلومات، مما يقوض دور الصحافة الحرة في الرقابة على الحكومة. وتعتبر هذه القضية مهمة لأنها تسلط الضوء على التوتر المستمر بين الحكومة وحرية الصحافة، خاصة في سياق الأمن القومي.

القواعد الجديدة وتأثيرها على حرية الصحافة

أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية في سبتمبر 2023 عن مجموعة جديدة من القواعد التي تحكم وصول الصحفيين إلى المعلومات العسكرية والمرافق العسكرية. وتهدف هذه القواعد، وفقًا للوزارة، إلى تحسين الأمن وحماية المعلومات الحساسة. ومع ذلك، يرى منتقدو هذه القواعد أنها تقيد بشكل كبير قدرة الصحفيين على تغطية الأنشطة العسكرية بشكل مستقل.

تفاصيل القواعد المثيرة للجدل

تشمل القواعد الجديدة متطلبات الحصول على موافقة مسبقة من وزارة الدفاع على نشر أي معلومات تتعلق بالعمليات العسكرية، حتى لو كانت هذه المعلومات متاحة بالفعل للجمهور. بالإضافة إلى ذلك، تحدد القواعد أنواع الأسئلة التي يمكن للصحفيين طرحها على المسؤولين العسكريين، وتفرض قيودًا على الوصول إلى بعض المناطق العسكرية. كما تتضمن القواعد إجراءات جديدة للتحقق من خلفيات الصحفيين، والتي يرى البعض أنها قد تكون تمييزية.

تجادل منظمة “تقرير الصحفيين” بأن هذه القواعد تنتهك التعديل الأول للدستور الأمريكي، الذي يضمن حرية الصحافة وحرية التعبير. وتؤكد المنظمة أن الرقابة المسبقة على نشر المعلومات تتعارض مع مبادئ الصحافة الحرة، وأن القيود المفروضة على الوصول إلى المعلومات تعيق قدرة الصحفيين على إطلاع الجمهور على الأنشطة الحكومية. وتشير المنظمة إلى أن هذه القواعد قد تؤدي إلى تضييق الخناق على التغطية الإعلامية للأخبار العسكرية.

في المقابل، تدافع وزارة الدفاع عن قواعدها الجديدة، مشيرة إلى أنها ضرورية لحماية الأمن القومي. وتقول الوزارة إنها تهدف فقط إلى منع نشر المعلومات التي قد تعرض القوات الأمريكية أو العمليات العسكرية للخطر. وتؤكد الوزارة أنها تحترم حرية الصحافة، وأنها ستعمل مع الصحفيين لضمان حصولهم على المعلومات التي يحتاجونها لتغطية الأخبار العسكرية بشكل دقيق ومسؤول. الأمن القومي هو محور الدفاع عن هذه الإجراءات.

تأتي هذه الدعوى القضائية في وقت يشهد فيه العالم تزايدًا في المخاوف بشأن حرية الصحافة. ففي العديد من البلدان، يواجه الصحفيون تهديدات بالاعتقال والسجن والقتل بسبب عملهم. وفي الولايات المتحدة، يواجه الصحفيون تحديات متزايدة بسبب القيود المفروضة على الوصول إلى المعلومات والتهديدات القانونية.

بالإضافة إلى ذلك، يثير هذا الجدل تساؤلات حول دور الصحافة في الرقابة على الحكومة. فالصحافة الحرة هي ركيزة أساسية للديمقراطية، وهي تلعب دورًا حيويًا في إطلاع الجمهور على الأنشطة الحكومية ومحاسبة المسؤولين. ومع ذلك، تواجه الصحافة تحديات متزايدة في أداء هذا الدور، بسبب القيود المفروضة على الوصول إلى المعلومات والتهديدات القانونية.

يرى خبراء قانونيون أن هذه القضية قد يكون لها تداعيات بعيدة المدى على حرية الصحافة في الولايات المتحدة. فإذا قضت المحكمة لصالح وزارة الدفاع، فقد يفتح ذلك الباب أمام الحكومة لفرض قيود أكثر صرامة على الصحافة. أما إذا قضت المحكمة لصالح منظمة “تقرير الصحفيين”، فقد يؤدي ذلك إلى حماية حقوق الصحفيين وتعزيز دور الصحافة الحرة في الرقابة على الحكومة. الحقوق الدستورية هي جوهر القضية.

في سياق مماثل، أعلنت وزارة العدل الأمريكية في وقت سابق من هذا العام عن تحقيق في تسريبات معلومات سرية إلى الصحافة. وقد أثار هذا التحقيق مخاوف بشأن حرية الصحافة، حيث يرى البعض أنه يهدف إلى ترهيب الصحفيين ومنعهم من نشر معلومات حساسة.

ومع ذلك، يرى آخرون أن التحقيق ضروري لحماية الأمن القومي ومنع تسريب المعلومات السرية التي قد تعرض البلاد للخطر. هذه القضايا المتشابكة تزيد من تعقيد المشهد الإعلامي والقانوني.

من المتوقع أن تبدأ المحكمة في النظر في القضية في الأشهر المقبلة. ومن غير الواضح حتى الآن كيف ستسير الأمور، ولكن من المؤكد أن هذه القضية ستثير نقاشًا واسعًا حول حرية الصحافة ودورها في الديمقراطية. سيراقب المراقبون عن كثب تطورات القضية، حيث أنها قد يكون لها تداعيات كبيرة على مستقبل الصحافة الاستقصائية في الولايات المتحدة.

الخطوة التالية المتوقعة هي تقديم مذكرات قانونية من كلا الجانبين، تليها جلسات استماع شفهية أمام القاضي. لا يوجد جدول زمني محدد لصدور حكم في القضية، ولكن من المتوقع أن يستغرق الأمر عدة أشهر. من المهم متابعة تطورات هذه القضية، حيث أنها قد تحدد مستقبل العلاقة بين الحكومة والصحافة في الولايات المتحدة.

شاركها.