دعت ميليندا فرينش جيتس، المليارديرة الأمريكية ورائدة الأعمال الخيرية، الأثرياء فاحشي الثراء إلى زيادة تبرعاتهم الخيرية. جاءت دعوتها خلال مقابلة مع مجلة “وايرد” حيث تحدثت عن “عهد التبرع” (The Giving Pledge)، وهي مبادرة أطلقتها عام 2010 مع زوجها السابق، بيل جيتس، ووارن بافيت. وتسعى المبادرة إلى تشجيع المليارديرات على التبرع بجزء كبير من ثرواتهم للأعمال الخيرية، معتبرة أن التبرع الخيري مسؤولية اجتماعية تجاه المجتمعات التي ساهمت في بناء ثرواتهم.
أهمية التبرع الخيري وزيادة مساهمات الأثرياء
أكدت فرينش جيتس أن بعض الموقعين على “عهد التبرع” يقدمون بالفعل تبرعات “بمقياس هائل”. ومع ذلك، أشارت إلى أن هذه التبرعات لا تزال غير كافية، خاصةً بالنظر إلى حجم الثروات المتراكمة لديهم. وقالت إن هؤلاء الأفراد استفادوا بشكل كبير من النظام التعليمي والبيئة التنظيمية ونظام رأس المال الاستثماري في الولايات المتحدة.
وفقًا لفهرس “بلومبرغ” للمليارديرات، تبلغ ثروة ميليندا فرينش جيتس 17.2 مليار دولار أمريكي. وقد أوضحت أنها تعتقد أن من يمتلكون الكثير يجب أن يقدموا المزيد، مشيرة إلى أن الاستفادة من المجتمع تفرض عليهم واجب رد الجميل.
“عهد التبرع” ومشاركته العالمية
يضم “عهد التبرع” حتى الآن 250 فردًا من 30 دولة مختلفة. ومن بين الموقعين البارزين إيلون ماسك، الرئيس التنفيذي لشركة تسلا؛ ومارك زوكربيرج، الرئيس التنفيذي لشركة ميتا؛ ولاري إليسون، كبير مسؤولي التكنولوجيا في شركة أوراكل؛ وريد هوفمان، مستثمر رأس المال المغامر.
يركز الموقع الإلكتروني للمبادرة على تسليط الضوء على مساهمات المليارديرات في مختلف المؤسسات الخيرية. على سبيل المثال، تم الإعلان في سبتمبر عن تبرع بقيمة 70 مليون دولار من ماكنزي سكوت لصالح الصندوق الوطني للمنح الجامعية للأمريكيين من أصل أفريقي (UNCF).
تأسست مؤسسة بيل وميليندا جيتس بشكل مشترك، وقامت ميليندا فرينش جيتس بترك منصبها فيها في يونيو 2024. حالياً، تدير “Pivotal Ventures”، وهي مجموعة من المنظمات الخيرية التي تركز على قضايا المرأة. وتعتبر هذه المنظمة جزءًا أساسيًا من جهودها لتوجيه الاستثمار الخيري نحو تحقيق تأثير اجتماعي ملموس.
تأثير تصريحات فرينش جيتس وتصاعد الدعوات للتبرع
تأتي تصريحات فرينش جيتس في الوقت الذي يزداد فيه الضغط العام على الأثرياء لتقديم المزيد من الدعم للمجتمع. وقد صدى هذا الموقف تصريحات المغنية بيلي إيليش خلال حفل توزيع جوائز WSJ Magazine Innovator Awards في أكتوبر الماضي.
خلال كلمتها، وجهت إيليش رسالة مباشرة إلى الحاضرين من الأثرياء، قائلة: “أحبكم جميعًا، ولكن هناك عدد قليل من الأشخاص هنا لديهم المزيد من المال مني. إذا كنت مليارديرًا، فلماذا أنت ملياردير؟ لا أكره، ولكن نعم، تبرعوا بأموالكم يا شباب.” هذه التصريحات، بالإضافة إلى دعوة فرينش جيتس، تعكس تحولًا في الرأي العام حول دور الأثرياء في معالجة التحديات الاجتماعية والاقتصادية.
تعتبر مسألة العدالة الاجتماعية من العوامل الرئيسية التي تدفع هذه الدعوات. يرى الكثيرون أن الثروات الطائلة المتراكمة في أيدي قلة قليلة من الناس تأتي على حساب الفرص المتاحة للآخرين، وأن التبرع الخيري هو وسيلة لتصحيح هذا الخلل. بالإضافة إلى ذلك، فإن التبرعات الخيرية يمكن أن تلعب دورًا حاسمًا في تمويل البرامج والمبادرات التي تهدف إلى تحسين حياة المحتاجين.
في المقابل، يرى البعض أن فرض التزامات على الأثرياء يمكن أن يثبط الاستثمار والابتكار. ويجادلون بأن الأفراد يجب أن يكونوا أحرارًا في التصرف في أموالهم كما يحلو لهم، وأن الدولة يجب أن تركز على توفير بيئة مواتية لنمو الاقتصاد وخلق فرص العمل. ومع ذلك، فإن الحجة المضادة تشير إلى أن الثروات المتراكمة تعتمد على البنية التحتية والخدمات العامة التي يوفرها المجتمع، وبالتالي فإن رد الجميل هو واجب أخلاقي واقتصادي.
تشمل الجدالات المتعلقة بالتبرع الخيري أيضًا مسألة الشفافية والمساءلة. يثير البعض مخاوف بشأن كيفية استخدام التبرعات، وما إذا كانت تصل بالفعل إلى المستفيدين المقصودين. لذلك، يرى الكثيرون أن المؤسسات الخيرية يجب أن تكون خاضعة لرقابة صارمة وأن تلتزم بأعلى معايير الشفافية.
من المتوقع أن تستمر المناظرات حول التبرع الخيري ومسؤولية الأثرياء في التصاعد خلال الأشهر المقبلة. من المرجح أن يشهد “عهد التبرع” مزيدًا من المشاركة من قبل المليارديرات، ولكن من غير الواضح ما إذا كانت هذه المشاركة ستترجم إلى زيادة كبيرة في التبرعات الفعلية. سيكون من المهم مراقبة التطورات في هذا المجال، وتقييم تأثير المبادرات الخيرية على معالجة التحديات الاجتماعية والاقتصادية.
