تتجه تريليونات الدولارات إلى مشاريع ضخمة حول العالم، من أنفاق تحت الجبال إلى مدن جديدة وموانئ ومطارات، في محاولة لإعادة رسم خريطة الاقتصاد العالمي. وبين أحلام تتجاوز الحدود وواقع يرفع التكلفة عاماً بعد عام، أصبحت “المشاريع الحكومية العملاقة” معياراً جديداً لطموح الدول أو حجم التعقيدات التي تواجهها. هذا المقال يستعرض أغلى هذه المشاريع حول العالم، وكيف وصلت إلى هذه التكاليف الهائلة، وما الذي تعكسه عن توجهات الاقتصاد العالمي اليوم.
أغلى المشاريع الحكومية في العالم: سباق نحو البنية التحتية العملاقة
يشهد العالم سباقاً محمومًا في مجال البنية التحتية، حيث تستثمر الحكومات مبالغ طائلة في مشاريع ضخمة تهدف إلى تعزيز النمو الاقتصادي، وتحسين الاتصال، وتلبية احتياجات السكان المتزايدة. ومع ذلك، فإن هذه المشاريع غالباً ما تتجاوز ميزانياتها الأصلية بسبب التضخم، وتعقيدات سلاسل الإمداد، والتحديات البيئية.
مشاريع في أوروبا: أنفاق وقطارات فائقة السرعة
تتصدر أوروبا قائمة المشاريع العملاقة، مع التركيز بشكل خاص على تطوير شبكات السكك الحديدية والأنفاق. ففي النمسا، يجري بناء نفق برينر الأساسي، وهو مشروع ضخم يربط بين إنسبروك في النمسا وفورتيتسا في إيطاليا بطول 55 كيلومتراً، بتكلفة تقديرية تبلغ 8.4 مليار يورو، ومن المتوقع افتتاحه في عام 2032. وفي الدنمارك، يتم بناء أطول نفق مغمور في العالم، نفق فيمرن بيلت، لربط الدنمارك بألمانيا، بتكلفة 8.3 مليارات دولار، وافتتاح متوقع في عام 2029. إيطاليا وفرنسا تتعاونان في مشروع القطار السريع تورينو-ليون، والذي تقدر تكلفته بـ27 مليار دولار، مع إنجاز متوقع في 2032.
مشاريع في آسيا: مدن جديدة ومطارات ضخمة
آسيا ليست بعيدة عن هذا السباق، حيث تشهد القارة بناء مدن جديدة ومطارات ضخمة. في إندونيسيا، يتم بناء العاصمة الجديدة نوسانتارا، وهي مدينة كاملة من الصفر لنقل العاصمة من جاكرتا بحلول 2045، بتكلفة تقدر بـ35 مليار دولار. وفي الفلبين، يعتبر مطار مانيلا الدولي الجديد أحد أكبر مشاريع النقل في جنوب شرق آسيا، بتكلفة 15 مليار دولار، وخطط افتتاح في 2027. سنغافورة تستثمر بكثافة في توسعة ميناء توآس، بتكلفة 14.8 مليار دولار، لتحويله إلى واحد من أكبر مراكز الشحن في العالم. ماليزيا قامت ببناء مدينة بوتراجايا، العاصمة الإدارية الجديدة، بتكلفة تعادل اليوم 14 مليار دولار.
مشاريع في مناطق أخرى من العالم: تحديات وتكاليف متزايدة
لا يقتصر سباق المشاريع الحكومية العملاقة على أوروبا وآسيا، بل يمتد إلى مناطق أخرى من العالم. في جنوب إفريقيا، يواجه مشروعا محطتي كوسيله وميدوبي للطاقة تأخيرات وتضخماً في التكاليف، حيث تصل التكلفة إلى 24.3 مليار دولار. وفي كندا، اكتملت مرحلة أولى مثيرة للجدل من مشروع جيمس باي للطاقة عام 1984، بتكلفة تصل إلى 26.6 مليار دولار. أستراليا تستثمر في خط سكة حديد ملبورن الدائري، بتكلفة 81 مليار دولار، وقد تتزايد التكلفة وموعد إنجازه قد يمتد حتى 2085. أما في الولايات المتحدة، فيعتبر برنامج المقاتلة F-35 هو أغلى برنامج عسكري في التاريخ.
ماذا تعكس هذه المشاريع عن الاقتصاد العالمي؟
تعكس هذه المشاريع اتجاهات متعددة في الاقتصاد العالمي. أولاً، تشير إلى أهمية الاستثمار في البنية التحتية كعنصر أساسي للنمو الاقتصادي والتنمية. ثانياً، تظهر المنافسة المتزايدة بين الدول لجذب الاستثمارات وتحسين مكانتها الاقتصادية. ثالثاً، تسلط الضوء على التحديات التي تواجهها الحكومات في إدارة هذه المشاريع الضخمة، بما في ذلك التضخم، وتعقيدات سلاسل الإمداد، والتحديات البيئية. بالإضافة إلى ذلك، تبرز هذه المشاريع أهمية التخطيط الاستراتيجي والتعاون الدولي لضمان نجاحها.
في الختام، من المتوقع أن يستمر سباق البنية التحتية العملاقة في السنوات القادمة، حيث تسعى الدول إلى تعزيز قدراتها التنافسية وتحسين مستوى معيشة مواطنيها. ومع ذلك، فإن نجاح هذه المشاريع يعتمد على قدرة الحكومات على إدارة التكاليف، والتغلب على التحديات، وضمان تحقيق الفوائد المرجوة. ما يجب مراقبته في المستقبل القريب هو تأثير التضخم العالمي وارتفاع أسعار المواد الخام على هذه المشاريع، بالإضافة إلى التطورات الجيوسياسية التي قد تؤثر على التعاون الدولي.
