يتجه اليوان الصيني نحو تحقيق أفضل أداء سنوي له منذ خمس سنوات، مدفوعًا بتزايد الثقة في الأصول والاقتصاد الصيني، على الرغم من استمرار التوترات التجارية مع الولايات المتحدة. وارتفع سعر صرف العملة الصينية مقابل الدولار الأمريكي بنحو 4% خلال العام الحالي، مع توقعات بمزيد من المكاسب في عام 2026، مما يعكس تحولًا في ديناميكيات السوق.

صعود اليوان الصيني: انعكاس للثقة الاقتصادية

يمثل هذا الارتفاع في قيمة اليوان الصيني تحولًا ملحوظًا عن الفترة التي أعقبت بداية الحرب التجارية الأمريكية الصينية في عام 2018، حيث شهدت العملة انخفاضًا كبيرًا تجاوز 13% بسبب المخاوف من تباطؤ النمو الاقتصادي الصيني واحتمال تخفيض قيمة العملة لدعم الصادرات. لكن الوضع الحالي مختلف، حيث أظهر الاقتصاد الصيني مرونة وقدرة على التكيف.

ويرجع هذا التحول إلى عدة عوامل، منها تدخلات السلطات الصينية في أسواق الصرف، وتحديد أسعار صرف مرجعية يومية تهدف إلى استقرار العملة. بالإضافة إلى ذلك، ساهمت موجة صعود في أسهم الشركات الصينية في جذب تدفقات استثمارية أجنبية، بينما أدى تراجع قيمة الدولار الأمريكي إلى تعزيز جاذبية اليوان.

تدخلات البنك المركزي ودعم الاستثمار

قام بنك الشعب الصيني (البنك المركزي) باتخاذ إجراءات للحد من التقلبات السعرية، بما في ذلك تحديد نطاقات تداول يومية لليوان. هذه الإجراءات تهدف إلى الحفاظ على استقرار العملة وتشجيع الاستثمار الأجنبي المباشر. كما أن التفاؤل المتزايد بشأن أداء الصادرات الصينية والفائض في الحساب الجاري يدعمان توقعات ارتفاع قيمة اليوان.

ويشير محللون إلى أن الصين نجحت في تنويع قاعدة صادراتها لتشمل دول الجنوب العالمي، مما قلل من اعتمادها على السوق الأمريكية. كما عززت الصين مكانتها في سلاسل الإمداد الحيوية، مثل المعادن النادرة، مما زاد من جاذبية اقتصادها.

توقعات مستقبلية لليوان الصيني

تتوقع معظم المؤسسات المالية استمرار مكاسب اليوان الصيني في الأشهر المقبلة. وتتوقع لين لي، رئيسة أبحاث الأسواق العالمية لآسيا في بنك MUFG، أن تؤدي تخفيضات أسعار الفائدة المحتملة من قبل بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي إلى إضعاف الدولار، مما سيعزز اليوان وعملات آسيا الأخرى. وتتوقع أن يصل سعر الصرف إلى 6.95 يوان للدولار الأمريكي بحلول نهاية العام المقبل.

ورفع بنك غولدمان ساكس أيضًا توقعاته لليوان، مشيرًا إلى أنه قد يصل إلى مستوى 6.95 خلال ثلاثة أشهر و 6.85 خلال عام. ويرى بنك أستراليا ونيوزيلندا أن بيع الدولار الأمريكي وشراء اليوان الصيني يمثل فرصة استثمارية جيدة في عام 2026.

في المقابل، يرى بعض الخبراء أن اليوان لا يزال “مُقوّمًا بأقل من قيمته بكثير”، مشيرين إلى أنه يقل بنحو 18% عن قيمته العادلة وفقًا لبيانات بنك التسويات الدولية. ويقولون إن السماح بارتفاع أسرع في قيمة اليوان قد يكون مفيدًا للاقتصاد الصيني.

مخاطر وقيود محتملة

على الرغم من التفاؤل، هناك بعض المخاطر التي قد تعيق صعود اليوان. فارتفاع قيمة العملة بشكل كبير قد يؤدي إلى تقويض الصادرات الصينية والنمو الاقتصادي. كما قد يشجع على تدفقات كبيرة من الأموال الساخنة، مما قد يخلق فقاعات في الأصول ويهدد الاستقرار المالي. لذلك، يبدو أن بنك الشعب الصيني يسعى إلى إدارة عملية ارتفاع قيمة اليوان بعناية.

وقد اتخذ البنك المركزي خطوات لإبطاء وتيرة ارتفاع اليوان، مثل تحديد سعر الصرف المرجعي اليومي عند مستوى أضعف من المتوقع. ومع ذلك، يتوقع معظم المراقبين استمرار صعود اليوان في المدى الطويل.

في الختام، من المتوقع أن يستمر اليوان الصيني في مسار صعوده، مدفوعًا بالثقة المتزايدة في الاقتصاد الصيني وتراجع قيمة الدولار الأمريكي. ومع ذلك، فإن مسار العملة سيظل يعتمد على تطورات الحرب التجارية مع الولايات المتحدة، والسياسات النقدية التي يتبعها بنك الشعب الصيني، والأوضاع الاقتصادية العالمية. يجب مراقبة هذه العوامل عن كثب لتقييم التوقعات المستقبلية لليوان.

شاركها.