يشهد قطاع التكنولوجيا اهتمامًا متزايدًا بمراكز البيانات في الفضاء، وهو توجه بدأ يتصدر حديث الرؤساء التنفيذيين للشركات الكبرى. فبعد أن كان يُنظر إليه على أنه مجرد خيال علمي، أصبح بناء وتشغيل مراكز البيانات في الفضاء خيارًا مطروحًا بجدية لمواجهة الطلب المتزايد على الطاقة الحسابية، خاصةً مع التطور السريع في مجال الذكاء الاصطناعي. هذا التحول يثير تساؤلات حول مستقبل البنية التحتية الرقمية وتأثيرها على استهلاك الطاقة العالمي.
لماذا الفضاء؟ التحديات التي تواجه مراكز البيانات الأرضية
تواجه مراكز البيانات التقليدية على الأرض تحديات كبيرة، أبرزها استهلاك الطاقة الهائل وارتفاع التكاليف التشغيلية. مع النمو المتسارع في استخدام الذكاء الاصطناعي، تتضاعف الحاجة إلى القدرة الحاسوبية بشكل كبير، مما يضع ضغوطًا إضافية على شبكات الكهرباء في مختلف أنحاء العالم. تشير تقديرات شركة Goldman Sachs إلى أن القدرة الحالية لمراكز البيانات العالمية تبلغ 59 جيجاوات، ومن المتوقع أن يتضاعف الطلب على الكهرباء بحلول عام 2050، مدفوعًا بشكل أساسي بتطبيقات الذكاء الاصطناعي.
أحد العوامل الرئيسية التي تدفع الشركات نحو الفضاء هو توافر طاقة الشمس المستمرة. كما صرح مارك بينيوف، الرئيس التنفيذي لشركة Salesforce، على منصة X، “إن أرخص مكان لمراكز البيانات هو الفضاء، حيث تتوفر طاقة شمسية مستمرة ولا حاجة للبطاريات”. هذا يقلل بشكل كبير من التكاليف التشغيلية المرتبطة بتبريد وتشغيل مراكز البيانات الأرضية.
طموحات الشركات الكبرى في مجال مراكز البيانات الفضائية
تتصدر شركات مثل جوجل و SpaceX و OpenAI السباق نحو بناء مراكز البيانات في الفضاء. صرح ساندر بيتشاي، الرئيس التنفيذي لجوجل، لوكالة أنباء رويترز، ووصف مشروع Suncatcher بأنه “خطة طموحة ولكنها منطقية على المدى الطويل” لزيادة القدرة الحاسوبية باستخدام وحدات المعالجة العصبية (TPUs) في الفضاء. وتهدف جوجل إلى إطلاق أول وحدة TPU إلى الفضاء بحلول عام 2027.
إيلون ماسك، مؤسس SpaceX، يرى في الفضاء حلًا جذريًا لمشكلة الطاقة. وكتب على منصة X أن مركبة Starship قادرة على إطلاق ما يصل إلى 500 جيجاوات سنويًا من الأقمار الصناعية التي تعمل بالطاقة الشمسية. هذه الكمية تتجاوز بكثير القدرة الحالية لمراكز البيانات على الأرض، مما يفتح آفاقًا جديدة لتطبيقات الذكاء الاصطناعي المتقدمة. أشار ماسك أيضًا إلى أن الفضاء يحصل على جزء ضئيل جدًا من طاقة الشمس، ولكنه لا يزال كافيًا لتلبية احتياجات هائلة من الطاقة الحسابية، وهذا يجعله “مفيدًا بشكل خاص” لأولئك الذين لديهم شركات فضائية.
من جهته، يتوقع جيف بيزوس، مؤسس أمازون، أن مراكز البيانات ستنتقل إلى الفضاء خلال العقدين القادمين. أما سام ألتمان، الرئيس التنفيذي لشركة OpenAI، فقد اقترح فكرة بناء “مجال دايسون” حول النظام الشمسي لتوفير طاقة غير محدودة لمراكز البيانات، معتبرًا أن هذا قد يكون أكثر منطقية من بناءها على الأرض.
التحديات التقنية والتنظيمية
على الرغم من المزايا الواضحة، إلا أن بناء وتشغيل مراكز البيانات في الفضاء يواجه العديد من التحديات التقنية والتنظيمية. تتضمن هذه التحديات تطوير تقنيات تبريد متقدمة قادرة على العمل في ظروف الفضاء القاسية، وضمان أمن البيانات وحمايتها من التهديدات الخارجية، ووضع إطار تنظيمي واضح لحوكمة استخدام الفضاء للأغراض التجارية. بالإضافة إلى ذلك، فإن تكلفة إطلاق المعدات إلى الفضاء لا تزال مرتفعة للغاية.
تتطلب هذه المشاريع استثمارات ضخمة في البحث والتطوير، بالإضافة إلى تعاون وثيق بين الشركات التكنولوجية ووكالات الفضاء والحكومات. كما أن هناك حاجة إلى تطوير معايير دولية لضمان التوافق التشغيلي والأمن السيبراني لمراكز البيانات الفضائية.
مستقبل الحوسبة: نحو بنية تحتية فضائية
يشير التوجه المتزايد نحو مراكز البيانات في الفضاء إلى تحول كبير في مستقبل الحوسبة والبنية التحتية الرقمية. من المرجح أن نشهد في السنوات القادمة المزيد من الاستثمارات في هذا المجال، مع تركيز خاص على تطوير تقنيات الإطلاق الموفرة للتكلفة وتخزين ومعالجة البيانات الفضائية. الخطوة التالية المتوقعة هي إطلاق نماذج أولية لمراكز البيانات الصغيرة في المدارات المنخفضة للأرض، بهدف اختبار جدوى هذه التقنية وتقييم أدائها. يبقى السؤال حول المدة التي ستستغرقها هذه المشاريع قبل أن تصبح واقعًا تجاريًا، ولكن المؤشرات الحالية تشير إلى أن الفضاء قد يصبح قريبًا وجهة رئيسية لتطبيقات الذكاء الاصطناعي والحوسبة عالية الأداء.
