أظهرت استطلاات حديثة أن ثلاثة أرباع الأمريكيين الذين تتراوح أعمارهم بين 45 و 60 عامًا يتوقعون إنفاق أكثر من الميزانية المخصصة لهم خلال فترة الأعياد. ويُعد هذا الشريحة العمرية، والمعروفة بقوتها الشرائية المستقرة، عنصرًا بالغ الأهمية في الحفاظ على زخم الإنفاق في الأعياد بشكل عام. وتشير التوقعات إلى تحديات اقتصادية محتملة للمستهلكين الأمريكيين في ظل ارتفاع التكاليف.

هذا الاتجاه يمثل صورة مقلقة للاقتصاد الأمريكي، حيث أن هذه الفئة العمرية تمثل جزءًا كبيرًا من القوة العاملة وهي مسؤولة عن جزء كبير من الاستهلاك. تظهر البيانات أن هذه المجموعة بدأت تظهر علامات التوتر المالي بسبب عوامل متعددة، بما في ذلك التضخم وارتفاع أسعار الفائدة وتراجع قيمة المدخرات. ويأتي هذا في وقت حرج مع اقتراب موسم التسوق السنوي.

توقعات الإنفاق في الأعياد: نظرة على الفئة العمرية المحورية

وفقًا لمسح أجرتها مؤسسة “Bankrate” مؤخرًا، يتوقع 76٪ من الأمريكيين في الفئة العمرية 45-60 عامًا تجاوز ميزانيتهم المخصصة للأعياد، وهو ما يمثل ارتفاعًا ملحوظًا مقارنة بالفئات العمرية الأخرى. تُظهر هذه النتيجة بشكل خاص مدى تأثير الضغوط الاقتصادية الحالية على المستهلكين في منتصف العمر الذين ربما كانوا يخططون لتقليل الإنفاق.

أسباب ارتفاع التوقعات بالإنفاق الزائد

يُعزى هذا التوقع إلى عدة عوامل متداخلة. أولها، التضخم المستمر الذي يؤدي إلى ارتفاع أسعار السلع والخدمات، بما في ذلك الهدايا والترفيه المتعلق بالأعياد. بالإضافة إلى ذلك، فإن ارتفاع أسعار الفائدة يجعل الاقتراض أكثر تكلفة، مما يدفع بعض المستهلكين إلى الاعتماد على بطاقات الائتمان لتغطية نفقاتهم، وبالتالي زيادة خطر الديون.

تعتبر هذه الفئة العمرية حاسمة لأنها غالبًا ما تكون مسؤولة عن دعم الأجيال الأخرى، سواء من خلال المساعدة المالية لأطفالهم أو رعاية والديهم. وبالتالي، فإن أي انخفاض في القدرة الشرائية لهذه المجموعة يمكن أن يكون له تأثير مضاعف على الاقتصاد ككل. ويرتبط ذلك أيضًا بـ ميزانية الأسرة حيث تساهم هذه الفئة بدخل كبير.

دور هذه الفئة في الاقتصاد الأمريكي

يصف خبراء الاقتصاد هذه الفئة بأنها “الغراء” الذي يربط الطيف الاستهلاكي. وهذا يعني أن عادات إنفاقهم تميل إلى أن تكون أكثر استقرارًا مقارنة بالشباب أو كبار السن، مما يجعلهم محركًا رئيسيًا للطلب. ونتيجة لذلك، فإن أي تغيير في سلوك الإنفاق لديهم يمكن أن يشير إلى اتجاهات أوسع في الاقتصاد.

ومع ذلك، فإن هذه الاستقرار النسبي يخضع الآن للاختبار. فقد أدى انخفاض قيمة الاستثمارات التقاعدية في عام 2022، بالإضافة إلى ارتفاع تكاليف الرعاية الصحية، إلى تقليل الثروة المتاحة للعديد من الأفراد في هذه الفئة العمرية. وهذا يدفعهم إلى إعادة تقييم أولوياتهم ومواجهة صعوبات في الالتزام بميزانياتهم. ويمكن أن يؤثر ذلك على الادخار الاستهلاكي أيضًا.

تشير التقارير أيضًا إلى أن الكثيرين في هذه الفئة العمرية يشعرون بالضغط الاجتماعي لتقديم هدايا فاخرة أو تنظيم احتفالات باهظة الثمن خلال الأعياد، على الرغم من التحديات المالية التي يواجهونها. وهذا الضغط يمكن أن يؤدي إلى إنفاق مفرط وزيادة مستويات الديون. كما أن مقارنة أنفسهم – ووضعهم المالي – بأقرانهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي قد تزيد من هذا الشعور.

تأثيرات أوسع على سوق التجزئة والتسويق

من المتوقع أن يؤثر هذا الاتجاه على قطاع التجزئة. قد يلجأ تجار التجزئة إلى تقديم خصومات وعروض ترويجية أكبر لجذب المستهلكين، مما قد يؤدي إلى انخفاض هوامش الربح. بالإضافة إلى ذلك، قد يشهدون تحولًا في أنواع المنتجات التي يشتريها المستهلكون، حيث يفضلون المنتجات الأقل تكلفة أو البدائل.

هذا الوضع يضع الشركات في موقف صعب، حيث يجب عليها الموازنة بين الحاجة إلى جذب المستهلكين والحفاظ على الربحية. قد تضطر بعض الشركات إلى تقليل مخزونها أو تأجيل خطط التوسع. في المقابل، يتوقع مسوقون تطور أساليبهم للوصول إلى المستهلكين بطرق أكثر فعالية من حيث التكلفة.

في حين أن الإنفاق المتوقع لا يزال مرتفعًا مقارنة بالسنوات السابقة، إلا أن هناك علامات على تباطؤ النمو. وتشير التقارير إلى أن المستهلكين يخططون لتقليل الإنفاق على العناصر غير الضرورية، مثل الهدايا الفاخرة والرحلات. ويعكس هذا التحول في الأولويات رغبة المتزايدة في الحفاظ على الاستقرار المالي.

ويربط المحللون بين هذا السلوك وبين القلق الأوسع بشأن الركود الاقتصادي المحتمل. ومع استمرار التضخم وارتفاع أسعار الفائدة، فإن المخاوف بشأن فقدان الوظائف وتدهور الظروف الاقتصادية تؤثر على قرارات الإنفاق. من هذا المنطلق فإن فهم سلوك المستهلك يصبح بالغ الأهمية لتقييم وضع الاقتصاد الحالي.

من المقرر أن يصدر التقرير الشهري لمؤشر ثقة المستهلك في أوائل شهر ديسمبر، والذي من المتوقع أن يقدم المزيد من الأفكار حول توقعات المستهلكين فيما يتعلق بالإنفاق المستقبلي. يجب مراقبة أرقام مبيعات التجزئة عن كثب خلال موسم الأعياد لتحديد ما إذا كانت تتوافق مع التوقعات الحالية. بالإضافة إلى ذلك، فإن تطورات السياسة النقدية من قبل الاحتياطي الفيدرالي ستكون ذات أهمية كبيرة، حيث يمكن أن تؤثر على أسعار الفائدة والقدرة الشرائية للمستهلكين. الوضع الاقتصادي لا يزال غير مؤكد، وسيتطلب مراقبة دقيقة للمؤشرات الرئيسية لتحديد المسار المستقبلي.

شاركها.