يرى إيليا سوتسكيفر، المؤسس المشارك لشركة OpenAI، أن صناعة الذكاء الاصطناعي على وشك التحول مجددًا نحو مرحلة التركيز على البحث والتطوير. جاءت تصريحات سوتسكيفر خلال حلقة حديثة من بودكاست “Dwarkesh Podcast” حيث تحدى الاعتقاد السائد بأن مجرد زيادة حجم البيانات وقدرات الحوسبة هو المسار الرئيسي لتحقيق التقدم في الذكاء الاصطناعي. وقد أثارت كلماته نقاشات واسعة حول مستقبل هذا المجال التكنولوجي المتقدم.

صرح سوتسكيفر، الذي يعتبر رائدًا في مجال الذكاء الاصطناعي الحديث، بأن الشركات التكنولوجية استثمرت مئات المليارات من الدولارات في الحصول على وحدات معالجة الرسوميات (GPUs) وبناء مراكز بيانات ضخمة بهدف تحسين أدوات الذكاء الاصطناعي الخاصة بها، سواء كانت نماذج لغوية كبيرة (LLMs) أو نماذج توليد الصور. جاءت هذه التصريحات في وقت يشهد فيه قطاع التكنولوجيا زخمًا كبيرًا في تطوير تطبيقات الذكاء الاصطناعي.

التحول نحو البحث في الذكاء الاصطناعي: نهاية عصر الحوسبة الضخمة؟

على مدار السنوات الخمس الماضية، اعتمدت الشركات بشكل كبير على زيادة حجم البيانات وقدرات الحوسبة كطريقة فعالة من حيث التكلفة لتحسين أداء أنظمة الذكاء الاصطناعي. هذا الأسلوب، على الرغم من فعاليته، يعتبر الآن أقل جدوى، وفقًا لسوتسكيفر، حيث أن البيانات محدودة بالفعل وأن معظم المؤسسات الكبرى لديها بالفعل إمكانية الوصول إلى قدرات حوسبية هائلة.

أوضح سوتسكيفر أن الاعتقاد بأن مجرد مضاعفة حجم البيانات وقدرات الحوسبة سيؤدي إلى تحول جذري في الذكاء الاصطناعي هو اعتقاد خاطئ. بمعنى آخر، الوصول إلى 100 ضعف القدرة الحاسوبية الحالية لن يضمن بالضرورة قفزة نوعية في الأداء.

حدود التوسع النمطي

يشير سوتسكيفر إلى أن النمو الحالي في قدرات الذكاء الاصطناعي يواجه قيودًا متزايدة، مما يستدعي نهجًا مختلفًا. تطوير الخوارزميات والأساليب الجديدة أصبح ضروريًا لتحقيق تقدم حقيقي ومستدام في هذا المجال.

في المقابل، لم ينكر سوتسكيفر الحاجة إلى قوة الحوسبة، مؤكدًا أنها لا تزال ضرورية للبحث والتطوير ويمكن أن تكون أحد العوامل الرئيسية التي تميز الشركات في هذا المجال التنافسي. ومع ذلك، أضاف أن هذه القوة الحاسوبية يجب أن تستخدم بفعالية من خلال أساليب بحثية مبتكرة.

أحد المجالات الرئيسية التي تتطلب مزيدًا من البحث، وفقًا لسوتسكيفر، هو قدرة النماذج على التعميم – أي القدرة على التعلم من كميات صغيرة من المعلومات أو الأمثلة بنفس الطريقة التي يتعلم بها البشر. هذه القدرة على التعميم هي نقطة ضعف رئيسية في النماذج الحالية، حيث أنها غالبًا ما تفشل في تطبيق المعرفة المكتسبة على مواقف جديدة أو غير مألوفة.

يقول سوتسكيفر إن النماذج الحالية تعاني من ضعف كبير في التعميم مقارنة بالبشر، وهو أمر واضح للغاية. ويعتبر هذا الضعف نقطة أساسية يجب معالجتها لتحقيق ذكاء اصطناعي حقيقي.

تأتي هذه الآراء في وقت تشهد فيه الشركات منافسة شرسة في مجال تطوير نماذج لغوية كبيرة، مثل GPT-4 من OpenAI و Gemini من Google. التركيز على زيادة حجم النماذج وتدريبها على كميات هائلة من البيانات قد يكون وصل إلى نقطة التشبع، مما يدعو إلى إعادة تقييم الاستراتيجيات المتبعة.

تعتبر رؤية سوتسكيفر بمثابة دعوة للعودة إلى الجذور، أي التركيز على البحث الأساسي في الذكاء الاصطناعي. هذا البحث يجب أن يهدف إلى تطوير خوارزميات جديدة وأكثر كفاءة، بالإضافة إلى فهم أفضل لكيفية عمل الدماغ البشري وكيفية محاكاة قدراته.

بالإضافة إلى التعميم، هناك مجالات أخرى تتطلب مزيدًا من البحث، مثل تفسيرية الذكاء الاصطناعي (explainable AI) – أي القدرة على فهم كيفية اتخاذ النماذج لقراراتها – والأمن السيبراني للذكاء الاصطناعي. هذه المجالات ضرورية لضمان أن أنظمة الذكاء الاصطناعي آمنة وموثوقة ويمكن استخدامها بشكل مسؤول.

تتزامن هذه التصريحات مع تزايد المخاوف بشأن المخاطر المحتملة للذكاء الاصطناعي، بما في ذلك فقدان الوظائف وانتشار المعلومات المضللة والتهديدات الأمنية. التركيز على البحث والتطوير يمكن أن يساعد في معالجة هذه المخاوف وضمان أن الذكاء الاصطناعي يستخدم لصالح البشرية.

في الختام، يتوقع أن تشهد صناعة الذكاء الاصطناعي تحولًا نحو مزيد من البحث والتطوير في الأشهر والسنوات القادمة. سيكون من المهم مراقبة كيفية استجابة الشركات لهذه الدعوة، وما إذا كانت ستستثمر بشكل أكبر في البحث الأساسي بدلاً من مجرد زيادة حجم البيانات وقدرات الحوسبة. النجاح في هذا المجال سيعتمد على القدرة على تطوير خوارزميات جديدة وأكثر كفاءة، وفهم أفضل لكيفية عمل الدماغ البشري، ومعالجة المخاطر المحتملة المرتبطة بهذه التكنولوجيا. الخطوة التالية المحتملة هي زيادة الاستثمار في المؤسسات الأكاديمية ومراكز الأبحاث المتخصصة في الذكاء الاصطناعي، مع التركيز على المشاريع طويلة الأجل التي تهدف إلى تحقيق تقدم حقيقي في هذا المجال.

شاركها.