تواجه إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن موقفاً معقداً مع وكالة الأنباء الم Associated Press، حيث تتخذ مناهج متضاربة تجاه الصحفيين التابعين لها بينما تخوض معركة قانونية مع الوكالة حول الوصول إلى الفعاليات الرئاسية. هذا التباين في التعامل أثار تساؤلات حول التزام الإدارة بالشفافية وحرية الصحافة. وتأتي هذه التطورات في وقت يشهد فيه البيت الأبيض بالفعل تدقيقاً متزايداً بشأن علاقته بوسائل الإعلام.

بدأ هذا الخلاف في شهر مايو الماضي عندما رفعت وكالة الأنباء الم Associated Press دعوى قضائية ضد البيت الأبيض، اتهمته بالتمييز في الوصول إلى الفعاليات الرئاسية، وتحديداً الأحداث التي تتضمن عددًا محدودًا من الصحفيين. تزعم الوكالة أن البيت الأبيض يفضل وسائل إعلام أخرى على حسابها، مما يعيق قدرتها على تغطية أخبار الرئاسة بشكل شامل وفعّال.

الخلاف القانوني وتضارب الأساليب في التعامل مع وكالة الأنباء الم Associated Press

المحور الرئيسي للنزاع هو سياسة البيت الأبيض المتبعة في اختيار الصحفيين المسموح لهم بحضور بعض الفعاليات. وفقًا لـ AP، تم حرمان مصوري الفيديو التابعين للوكالة بشكل منهجي من المشاركة في تغطية بعض الفعاليات، بينما كانت وسائل إعلام أخرى مُنحت هذه الفرصة. ويرى خبراء قانونيون أن هذا التمييز قد ينتهك التعديل الأول للدستور الأمريكي، الذي يضمن حرية الصحافة.

التبريرات الرسمية للبيت الأبيض

يرد البيت الأبيض على هذه الاتهامات بالتأكيد على أن قراراته بشأن الوصول إلى الفعاليات تستند إلى معايير غير تمييزية وتراعي احتياجات التغطية الإخبارية. وبحسب تصريحات رسمية، فإن عدد الصحفيين المسموح لهم بالحضور محدود بسبب اعتبارات تتعلق بالمساحة والأمن. ومع ذلك، يرى منتقدو هذه السياسة أن هذه التبريرات لا تفسر لماذا تم استبعاد AP بشكل متكرر.

في الوقت نفسه، تشير تقارير إلى أن البيت الأبيض يواصل منح بعض التسهيلات لصحفيي AP في مجالات أخرى، مثل إجراء المقابلات وتلقي المعلومات. هذا التناقض في الأسلوب أثار حيرة مراقبي الشأن الإعلامي، الذين يتساءلون عما إذا كان البيت الأبيض يسعى إلى ممارسة ضغط على الوكالة من خلال حرمانها من الوصول إلى بعض الفعاليات، بينما يحافظ على علاقة عمل معها في جوانب أخرى.

هذا الموقف يعكس توتراً أوسع بين البيت الأبيض ووسائل الإعلام، خاصة في ظل الانتقادات المتزايدة التي تواجهها الإدارة بشأن قضايا مختلفة مثل الاقتصاد والهجرة. وتشير بعض التحليلات إلى أن البيت الأبيض قد يسعى إلى التحكم في الرسائل الإعلامية من خلال تفضيل بعض وسائل الإعلام على غيرها، وهو ما يرفضه بشدة صحفيون ومدافعون عن حرية الصحافة.

وبصرف النظر عن الدعوى القضائية المتعلقة بـ Associated Press، تثير هذه القضية أسئلة أوسع حول الشفافية في عهد بايدن. فقد تعهد الرئيس بايدن باستعادة الثقة في الحكومة والعمل بشفافية، لكن البعض يرى أن أفعال إدارته متناقضة مع هذه الوعود.

إضافةً إلى ذلك، هناك قلق متزايد بشأن تأثير هذه القضية على تغطية الأخبار الرئاسية بشكل عام. فإذا تمكن البيت الأبيض من تقييد وصول بعض وسائل الإعلام إلى الفعاليات، فقد يؤدي ذلك إلى تقليل التنوع في التغطية وتشويه الصورة التي تصل إلى الجمهور. الوصول المتساوي لوسائل الإعلام المختلفة يُعتبر من الممارسات الأساسية في الديمقراطية.

كما تثير هذه المسألة تساؤلات حول دور الصحافة في مساءلة الحكومة. فالصحافة الحرة والمستقلة ضرورية لضمان شفافية الحكومة ومساءلتها، وأي محاولة لتقييد وصول الصحفيين إلى المعلومات تمثل تهديداً لهذه الوظيفة الحيوية. وتقويض دور وكالة أنباء مرموقة مثل AP قد يضعف قدرة الصحافة بشكل عام على أداء دورها.

في سياق منفصل، يسعى البيت الأبيض إلى تطوير علاقات أفضل مع وسائل الإعلام من خلال تنظيم مؤتمرات صحفية منتظمة وإجراء مقابلات مع مسؤولين حكوميين. ولكن، يرى البعض أن هذه الجهود لا تكفي إذا لم يتم معالجة قضية الوصول إلى الفعاليات بشكل عادل وشفاف. بدون معالجة هذه القضية الأساسية، قد تبقى الشكوك قائمة حول مدى التزام البيت الأبيض بالشفافية وحرية الصحافة.

يتابع المراقبون أيضًا تطورات أخرى تتعلق بالتغطية الإعلامية للرئاسة، مثل استخدام وسائل التواصل الاجتماعي من قبل الرئيس بايدن والمسؤولين الحكوميين. فقد أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي أداة مهمة للتواصل مع الجمهور، ولكنها أيضًا تثير تحديات جديدة تتعلق بالتحقق من المعلومات ومكافحة الأخبار الكاذبة. الاعتماد المفرط على هذه المنصات قد يقلل من أهمية الدور التقليدي للصحافة.

من المتوقع أن تستمر المناقشات القانونية في هذه القضية لعدة أسابيع أو حتى أشهر، حيث يدرس القضاة حجج الطرفين. في الوقت الحالي، لا يوجد موعد محدد لإصدار حكم في القضية. ما يثير القلق هو إمكانية أن يؤدي هذا النزاع إلى تدهور العلاقة بين البيت الأبيض ووسائل الإعلام، مما قد يكون له تداعيات سلبية على تغطية الأخبار الرئاسية وعلى الثقة العامة في الحكومة. وسيبقى الخبراء والمحللون السياسيون يراقبون عن كثب تطورات هذه القضية لمعرفة ما إذا كانت ستؤدي إلى تغييرات في سياسات البيت الأبيض تجاه وسائل الإعلام.

الجدير بالذكر أن هذا الخلاف ليس الأول من نوعه بين البيت الأبيض ووسائل الإعلام، فقد شهدت الإدارات الأمريكية السابقة مواقف مماثلة. ولكن، يرى البعض أن هذا الخلاف يكتسب أهمية خاصة في ظل المناخ السياسي الحالي الذي يتسم بالاستقطاب الشديد وانعدام الثقة في المؤسسات.

شاركها.