شهد الإنفاق الاستهلاكي في المملكة المتحدة تراجعًا ملحوظًا في شهر أكتوبر، مما يعكس حالة من الترقب والحذر بين المستهلكين البريطانيين قبل الإعلان عن الميزانية الجديدة في نهاية الشهر. أظهرت البيانات الصادرة عن مكتب الإحصاءات الوطنية انخفاضًا في حجم مبيعات التجزئة، مما يثير تساؤلات حول قوة الاقتصاد البريطاني وقدرته على التعافي.

تأتي هذه الأرقام قبل أيام قليلة من الكشف عن ميزانية وزيرة المالية راشيل ريفز، والتي من المتوقع أن تتضمن إجراءات تقشفية وزيادات ضريبية لمعالجة العجز في الميزانية. وقد أثرت حالة عدم اليقين هذه سلبًا على ثقة المستهلكين، مما دفعهم إلى تأجيل عمليات الشراء الكبيرة وتقليل الإنفاق بشكل عام.

تراجع مبيعات التجزئة يثير المخاوف

أظهرت بيانات مكتب الإحصاءات الوطنية انخفاضًا بنسبة 1.1% في حجم مبيعات التجزئة على أساس شهري، وهو أول انخفاض منذ شهر مايو. كما أن النمو السنوي للمبيعات كان طفيفًا للغاية، حيث بلغ 0.2% فقط، وهو أقل بكثير من التوقعات التي أشارت إلى نمو يصل إلى 1.5%.

تأثير التضخم وارتفاع تكاليف المعيشة

يعزو المحللون هذا التراجع إلى عدة عوامل، بما في ذلك استمرار ارتفاع معدلات التضخم، وارتفاع تكاليف المعيشة، وتراجع سوق العمل. وقد أدت هذه العوامل إلى زيادة معدلات الادخار وتقليل القدرة الشرائية لدى الأسر البريطانية. بالإضافة إلى ذلك، يساهم القلق بشأن الضرائب المحتملة في تأجيل المستهلكين لقرارات الإنفاق.

وفي هذا السياق، كشف أحدث مسح لشركة GfK عن تراجع كبير في ثقة المستهلك هذا الشهر، مما يؤكد المخاوف بشأن الوضع الاقتصادي. ويرى خبراء الاقتصاد أن هذا التراجع في الثقة قد يستمر في التأثير على الإنفاق الاستهلاكي في الأشهر المقبلة.

أظهرت البيانات أن مبيعات السوبر ماركت والملابس والطلبات البريدية كانت الأكثر تضررًا في شهر أكتوبر. وأشارت بعض الشركات إلى أن العملاء أرجأوا الإنفاق بانتظار عروض “الجمعة السوداء”، مما يشير إلى أنهم يبحثون عن صفقات أفضل قبل إجراء عمليات الشراء.

ارتفاع الاقتراض الحكومي يعمق التحديات

بالتزامن مع تراجع الإنفاق الاستهلاكي، أظهرت بيانات حكومية ارتفاعًا غير متوقع في الاقتراض خلال الشهر الماضي. ويضع هذا الارتفاع ضغوطًا إضافية على وزيرة المالية راشيل ريفز، التي تواجه مهمة صعبة في جمع ما بين 20 و30 مليار جنيه إسترليني من خلال زيادات ضريبية أو تخفيضات في الإنفاق.

يقول روب وود، كبير الاقتصاديين في “بانثيون ماكروإيكونوميكس”، إن الضبابية المحيطة بالميزانية بدأت تنعكس على سلوك المستهلكين. ويشير إلى أن تراجع الثقة وضعف نمو المبيعات هما مؤشران على أن المستهلكين يستعدون لأخبار غير مريحة في ميزانية 26 نوفمبر.

على الرغم من هذه التحديات، أعربت بعض سلاسل التجزئة الكبرى، مثل “سينسبري” و”ماركس آند سبنسر”، عن قدر من التفاؤل بشأن موسم مبيعات عيد الميلاد. ومع ذلك، يراقبون عن كثب تأثير الميزانية على إنفاق الأسر، خاصةً على المشتريات التقديرية.

تجدر الإشارة إلى أن مبيعات التجزئة في بريطانيا لا تزال أقل بنحو 3.3% من مستويات ما قبل الجائحة في فبراير 2020، مما يدل على أن التعافي الاقتصادي لا يزال غير مكتمل. الإنفاق الاستهلاكي هو محرك رئيسي للنمو الاقتصادي في المملكة المتحدة، وبالتالي فإن أي تراجع فيه يمكن أن يكون له آثار سلبية على الاقتصاد ككل.

من المتوقع أن تعلن وزيرة المالية راشيل ريفز عن الميزانية الجديدة في 26 نوفمبر. وستكون هذه الميزانية حاسمة لتحديد مسار الاقتصاد البريطاني في الأشهر المقبلة. سيكون من المهم مراقبة رد فعل الأسواق والمستهلكين على الإجراءات التي ستتضمنها الميزانية، بالإضافة إلى تطورات مؤشرات الإنفاق الاستهلاكي ومعدلات التضخم وسوق العمل. تظل التوقعات غير مؤكدة، وسيعتمد مستقبل الاقتصاد البريطاني على قدرة الحكومة على معالجة التحديات الاقتصادية الحالية بشكل فعال.

شاركها.