باع البنك المركزي الهندي كميات كبيرة من الدولار الأمريكي في أسواق الصرف المحلية والدولية خلال الشهر الجاري، في محاولة لدعم الروبية الهندية التي واجهت ضغوطًا كبيرة وتراجعت إلى مستويات قياسية منخفضة. وتأتي هذه الخطوة بعد تصاعد التوترات التجارية وزيادة الرسوم الجمركية الأمريكية على بعض السلع الهندية، مما أثر سلبًا على قيمة العملة.

وبحسب مصادر مطلعة على هذه المعاملات، فقد باع البنك المركزي الهندي ما لا يقل عن 5 مليارات دولار أمريكي حتى الآن. ولم يصدر البنك المركزي الهندي أي تعليق رسمي يؤكد هذه الأرقام، إلا أن هذه التدخلات تأتي في وقت حرج بالنسبة للاقتصاد الهندي، حيث يخشى المراقبون من تداعيات ضعف الروبية على التضخم والاستيراد.

تدخل البنك المركزي الهندي لدعم الروبية

يعكس تدخل البنك المركزي الهندي تحولاً محتملاً في السياسة النقدية، خاصةً بعد تولي سانجاي مالهوترا منصبه كمحافظ للبنك في ديسمبر الماضي. فقد شهدت الروبية الهندية انخفاضًا ملحوظًا منذ بداية العام، وتعتبر من أسوأ العملات أداءً في آسيا، حيث فقدت أكثر من 2% من قيمتها. وتفاقم هذا الانخفاض في الأسبوعين الماضيين بعد إعلان الرئيس الأمريكي عن زيادة الرسوم الجمركية.

أسباب وتداعيات ضعف الروبية

يعزو المحللون ضعف الروبية إلى عدة عوامل، أبرزها ارتفاع أسعار النفط عالميًا، وزيادة الرسوم الجمركية الأمريكية، وتراجع الاستثمار الأجنبي المباشر في الهند. بالإضافة إلى ذلك، فإن مشتريات الهند من النفط الروسي بأسعار مخفضة أثارت انتقادات من الولايات المتحدة، مما أدى إلى فرض الرسوم الجمركية الجديدة.

قد يؤدي استمرار ضعف الروبية إلى زيادة تكلفة الواردات، وبالتالي ارتفاع معدلات التضخم في الهند. كما قد يؤثر سلبًا على تعافي الاقتصاد الهندي، الذي لا يزال يعاني من تداعيات جائحة كوفيد-19.

استراتيجيات البنك المركزي

يلجأ البنك المركزي الهندي إلى عدة استراتيجيات للتدخل في سوق الصرف، بما في ذلك بيع الدولار الأمريكي وشراء الروبية. كما يستخدم البنك ما يعرف بـ”العقود الآجلة غير القابلة للتسليم”، والتي تسمح له بتوجيه مسار الروبية دون الحاجة إلى بيع كميات كبيرة من الدولار بشكل مباشر. هذه الاستراتيجية كانت فعالة بشكل خاص في العام الماضي.

تشير البيانات الأخيرة إلى انخفاض احتياطيات النقد الأجنبي لدى البنك المركزي الهندي بمقدار 9.3 مليار دولار، وهو أكبر انخفاض منذ نوفمبر الماضي. ويعكس هذا الانخفاض التدخل المتزايد للبنك في سوق الصرف، على الرغم من أن جزءًا منه قد يكون ناتجًا عن تغيرات في تقييم العملات العالمية.

تأثير الرسوم الجمركية الأمريكية

أعلنت الولايات المتحدة في السادس من أغسطس عن زيادة الرسوم الجمركية على بعض السلع الهندية بنسبة 50%، ردًا على مشتريات الهند من النفط الروسي. وقد أثار هذا القرار انتقادات من الحكومة الهندية، التي اعتبرته غير عادل وغير متناسب. ويخشى المراقبون من أن تؤدي هذه الرسوم الجمركية إلى تفاقم التوترات التجارية بين البلدين.

بالإضافة إلى الرسوم الجمركية، هناك عوامل أخرى تؤثر على قيمة الروبية، مثل أسعار الفائدة في الولايات المتحدة، والتدفقات الرأسمالية، والتوقعات الاقتصادية العالمية. وتشير التقديرات إلى أن أسعار الفائدة المرتفعة في الولايات المتحدة تجذب الاستثمارات إلى الدولار الأمريكي، مما يضعف العملات الأخرى، بما في ذلك الروبية الهندية.

وفي سياق متصل، يراقب المستثمرون عن كثب تطورات الأوضاع الاقتصادية والسياسية في الهند والولايات المتحدة، حيث أن أي تغييرات في هذه الأوضاع قد تؤثر على قيمة الروبية. كما أن تدخل البنك المركزي الهندي في سوق الصرف سيستمر على الأرجح في المدى القصير، بهدف استقرار العملة ومنع المزيد من الانخفاض.

من المتوقع أن يواصل البنك المركزي الهندي مراقبة أسواق الصرف عن كثب، وقد يلجأ إلى مزيد من التدخلات إذا استمرت الروبية في الانخفاض. وسيتم الإعلان عن قرار البنك المركزي بشأن أسعار الفائدة في اجتماعه القادم في أوائل سبتمبر، ومن المتوقع أن يكون هذا القرار حاسمًا في تحديد مسار الروبية في المستقبل. يبقى التحدي الأكبر هو تحقيق التوازن بين دعم الروبية والسيطرة على التضخم.

شاركها.