أكدت مؤسسة عبد الله الغرير خلال مشاركتها في منتدى دبي للمستقبل، ضرورة التحول نحو العمل الخيري الاستراتيجي، مع تزايد حجم رأس المال الخيري العالمي واقترابه من تريليوني دولار سنوياً. يأتي هذا التوجه في سياق رؤية دولة الإمارات لتعزيز العطاء المؤسسي القائم على البيانات، والتركيز على بناء القدرات المستدامة بدلاً من مجرد تقديم المساعدات اللحظية. هذا التحول يهدف إلى مواكبة التحديات المستقبلية المتزايدة في مجالات التعليم والتنمية البشرية.
وشهد المنتدى مناقشات حول كيفية تطور هذا القطاع الحيوي، والذي يحظى باهتمام متزايد على مستوى العالم. وشدد المشاركون على أهمية الاستعداد للتغيرات الاقتصادية والتكنولوجية والاجتماعية، وضرورة تكييف استراتيجيات العمل الخيري لتلبية الاحتياجات المستقبلية بشكل فعال. يركز هذا التحول على إحداث تأثير طويل الأمد، بدلاً من مجرد الاستجابة للأزمات العاجلة.
العمل الخيري الاستراتيجي: رؤية مستقبلية للعطاء
أشارت النقاشات إلى أن مستقبل العمل الخيري الاستراتيجي لا يعتمد فقط على حجم التمويل المتاح، بل على جودة التخطيط والقدرة على استباق التحديات. وبحسب الدكتورة سونيا بن جعفر، الرئيسة التنفيذية لمؤسسة عبد الله الغرير، فإن “السخاء، عندما يصبح في قالب المؤسسات وموجَّهاً نحو المستقبل، يُصبح قوة وطنية”. وهذا يتطلب الانتقال من مجرد الاكتفاء بالعطاء إلى الاستثمار في التعليم، وتنمية القدرات البشرية، وتعزيز القدرة على التكيف مع المتغيرات العالمية.
دور المؤسسات الخيرية في بناء المجتمعات المرنة
تضطلع المؤسسات الخيرية بدور متنامي في بناء مجتمعات قادرة على مواجهة التحديات المستقبلية. يركز هذا الدور بشكل خاص على مجالات التعليم والتنمية البشرية، وتوفير المهارات اللازمة لسوق العمل المتغير، خاصة في ظل التطور السريع للذكاء الاصطناعي. ويتطلب ذلك التعاون الوثيق بين القطاع الخاص والجهات الحكومية، بهدف تحقيق أهداف التنمية المستدامة.
أهمية التخطيط الاستراتيجي والشراكات الفعالة
أكد بدر جعفر، المبعوث الخاص لوزير الخارجية لشؤون الأعمال والأعمال الخيرية، أن “القوة الحقيقية للعطاء ليست في حجمه بل باستدامة تأثيره”. وشدد على أهمية التعاون المبني على رؤية مستقبلية واضحة، وأن يكون الكرم مصحوباً بهندسة تنفيذية دقيقة، لتحويل العمل الخيري إلى منظومة متكاملة للتغيير الإيجابي.
ويرى خلفان جمعة بلهول، الرئيس التنفيذي لمؤسسة دبي للمستقبل، أن رؤية دبي في استشراف المستقبل ترتكز على تعزيز استعداد القطاعات المختلفة للتغيرات القادمة. وأشار إلى أن مستقبل العمل الخيري يحتاج إلى المزيد من المرونة والرؤية الثاقبة، وأن هذا الحوار ضمن منتدى دبي للمستقبل يعكس قناعة بأن بناء عالم مستعد للمستقبل يتطلب أيضاً عطاءً استباقياً.
تساهم أجندة دبي طويلة الأمد في تحويل العمل الخيري إلى محرك رئيسي لبناء مجتمعات تتمتع بالمرونة والقدرة على الصمود في وجه التحديات. وتشهد المنطقة نمواً ملحوظاً في مراكز العطاء، مما يفتح آفاقاً جديدة للابتكار في هذا المجال، بهدف تحقيق أثر مستدام يتجاوز مجرد تقديم المساعدات المباشرة.
وتعتبر مؤسسة عبد الله الغرير من الرواد في هذا المجال، حيث قامت بإعادة تعريف العمل الخيري في مجال التعليم بالدولة والعالم العربي، من خلال تمكين الشباب وتوفير فرص تعليمية عالية الجودة لهم. وبالتعاون مع صندوق عبد العزيز الغرير لتعليم اللاجئين، نجحت المؤسسة في الوصول إلى أكثر من 400 ألف شاب وشابة، وتحويل التعليم إلى فرصة، والفرصة إلى أثر مستدام.
تؤكد مشاركة المؤسسة في منتدى دبي للمستقبل 2025 على الدور الذي تلعبه دولة الإمارات في تشكيل مستقبل العمل الخيري على مستوى العالم، من خلال الاعتماد على أدوات الاستشراف، وتعزيز قوة المؤسسات، وتوسيع نطاق الفرص المتاحة للأجيال القادمة. وتشمل المجالات الرئيسية التي تركز عليها هذه الاستراتيجية التعليم، وتنمية المهارات، والابتكار، ودعم المشاريع الاجتماعية المستدامة.
من المتوقع أن يستمر التركيز على بناء شراكات استراتيجية بين المؤسسات الخيرية والقطاع الخاص والحكومات، بهدف تعظيم الأثر الإيجابي للعمل الخيري. وستشهد الفترة القادمة المزيد من التطورات في مجال استخدام التكنولوجيا والبيانات في العمل الخيري، لتعزيز الشفافية والكفاءة والفعالية. ومن المهم مراقبة تطورات هذه الشراكات وتقييم أثرها على المجتمعات المستفيدة على المدى الطويل.
