تزايدت المخاوف بشأن ممارسات تتبع الأسعار الديناميكي عبر الإنترنت في الأسواق العربية، حيث يواجه المستهلكون أسعارًا متغيرة باستمرار بناءً على سلوكهم في التصفح. هذه التقنية، التي تستخدم البيانات الشخصية لتحديد الأسعار، تثير جدلاً واسعًا بسبب شعور المستخدمين بالمراقبة والاستغلال المالي. وقد بدأت السلطات المعنية في بعض الدول العربية بالتحقيق في هذه الممارسات.
بدأت هذه الظاهرة في الانتشار خلال الأشهر الستة الماضية، خاصةً في قطاعات السفر، والفنادق، والإلكترونيات الاستهلاكية. وتتركز أغلب الحالات المبلغ عنها في المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ومصر، ولكن يُعتقد أن الممارسة أصبحت منتشرة على نطاق أوسع عبر الإنترنت في المنطقة. تعتمد هذه التقنية على خوارزميات معقدة لتحليل بيانات المستخدمين.
ما هو تتبع الأسعار الديناميكي؟
تتبع الأسعار الديناميكي هو ممارسة تجارية تستخدم فيها الشركات خوارزميات لتعديل الأسعار بشكل مستمر بناءً على عوامل مختلفة، بما في ذلك سلوك المستخدم عبر الإنترنت. تشمل هذه العوامل تاريخ التصفح، والموقع الجغرافي، ونوع الجهاز المستخدم، وحتى الوقت من اليوم. الهدف من ذلك هو زيادة الأرباح عن طريق فرض أسعار أعلى على المستهلكين الذين يُعتبرون أكثر استعدادًا للدفع.
كيف يعمل؟
تعتمد هذه التقنية على جمع البيانات من خلال ملفات تعريف الارتباط (cookies) وتقنيات التتبع الأخرى. تقوم الشركات بتحليل هذه البيانات لتحديد مدى “استعداد” المستهلك للدفع. على سبيل المثال، إذا قام المستخدم بالبحث عن منتج معين عدة مرات، أو أضافه إلى عربة التسوق دون إكماله، فقد يتم عرض سعر أعلى عليه في المرة التالية.
بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن يؤثر الموقع الجغرافي للمستخدم على السعر المعروض. فقد يتم عرض أسعار أعلى على المستخدمين من الدول ذات الدخل المرتفع. كما أن نوع الجهاز المستخدم (مثل الهاتف الذكي أو الكمبيوتر المحمول) يمكن أن يلعب دورًا في تحديد السعر.
المخاوف القانونية والأخلاقية
تثير ممارسة تتبع الأسعار الديناميكي العديد من المخاوف القانونية والأخلاقية. أحد أهم هذه المخاوف هو انتهاك خصوصية المستهلك. فجمع البيانات الشخصية واستخدامها لتحديد الأسعار يمكن أن يُعتبر تدخلًا في الحياة الخاصة للمستهلك.
بالإضافة إلى ذلك، يرى الكثيرون أن هذه الممارسة غير عادلة وتمييزية. فالمستهلكون الذين يبدون أكثر اهتمامًا بمنتج معين قد يضطرون إلى دفع سعر أعلى مقابل نفس المنتج. وهذا يخلق شعورًا بالاستغلال المالي وعدم الثقة في الشركات.
ردود فعل المستهلكين
أظهرت استطلاعات الرأي الأخيرة في المنطقة العربية أن غالبية المستهلكين يشعرون بعدم الارتياح تجاه ممارسات تتبع الأسعار. ويعبرون عن قلقهم بشأن جمع بياناتهم الشخصية واستخدامها لتحديد الأسعار. وقد دعا العديد منهم إلى سن قوانين لحماية حقوق المستهلك في هذا المجال.
التسويق المخصص هو أحد المصطلحات المرتبطة بهذه الممارسات، ولكنه يركز بشكل أكبر على عرض الإعلانات ذات الصلة باهتمامات المستخدم، بينما يركز تتبع الأسعار الديناميكي على تغيير الأسعار نفسها. الشفافية السعرية هي مطلب أساسي للمستهلكين، حيث يرغبون في معرفة العوامل التي تؤثر على الأسعار.
تحركات حكومية وتنظيمية
بدأت بعض الحكومات العربية في اتخاذ خطوات للتحقيق في ممارسات تتبع الأسعار الديناميكي. ففي المملكة العربية السعودية، أعلنت وزارة التجارة والاستثمار عن تشكيل لجنة لدراسة هذه الممارسات وتقديم توصيات بشأن تنظيمها. وفي الإمارات العربية المتحدة، أصدرت الهيئة العامة للمنافسة وحماية المستهلك تحذيرًا للشركات بشأن هذه الممارسات.
وفي مصر، يناقش مجلس النواب مشروع قانون جديد لحماية المستهلك يهدف إلى تنظيم ممارسات التسعير عبر الإنترنت. وتشمل هذه الممارسات تعديل الأسعار بناءً على سلوك المستهلك. تهدف هذه التحركات إلى حماية حقوق المستهلك وضمان المنافسة العادلة في السوق.
ومع ذلك، لا يزال هناك نقص في القوانين واللوائح الواضحة التي تنظم هذه الممارسات في معظم الدول العربية. وهذا يجعل من الصعب على المستهلكين حماية حقوقهم.
في المقابل، يرى بعض الخبراء أن هذه التقنية يمكن أن تكون مفيدة للمستهلكين إذا تم استخدامها بشكل شفاف وعادل. فقد تسمح للشركات بتقديم عروض وخصومات مخصصة للمستهلكين الذين يبحثون عن منتجات معينة. ولكن هذا يتطلب وجود آليات واضحة لضمان الشفافية ومنع الاستغلال.
الخطوات التالية
من المتوقع أن تصدر وزارة التجارة والاستثمار السعودية تقريرها النهائي بشأن ممارسات تتبع الأسعار الديناميكي بحلول نهاية الربع الأول من العام المقبل. كما من المتوقع أن يناقش مجلس النواب المصري مشروع قانون حماية المستهلك الجديد في الأشهر القليلة القادمة.
يبقى من غير الواضح ما إذا كانت الحكومات العربية ستفرض قيودًا صارمة على هذه الممارسات، أم أنها ستعتمد نهجًا أكثر تساهلاً. ومع ذلك، من المؤكد أن هذه القضية ستظل قيد المراقبة الوثيقة من قبل المستهلكين والجهات التنظيمية على حد سواء. من المهم أيضًا مراقبة التطورات القانونية في الدول الأخرى التي تعاملت مع هذه القضية، مثل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.
